المغرب – بقلم زينون عبد العالي:
بكلمات لا تكاد تفهم منها شيئا، يظل الطفل أيوب (خمس سنوات) طوال اليوم يصيح ويصرخ، يكسر كل ما وجد أمامه، فيما تحاول أمه بجسدها المنهك وعينيها الجاحظتين من كثرة البكاء أن تضمه إلى صدرها لمحاولة التخفيف من النوبات التي تصيبه بين الفينة والأخرى. هذا هو حال أسرة مغربية ومعاناتها مع طفلها المصاب بالتوحد.
فقر يذكي المعاناة
لا تملك أسرة أيوب الموارد الكافية لتأمين العلاج والرعاية المناسبة للطفل في ظل قلة المراكز التي تعنى بمرضى التوحد وارتفاع تكالفيها بمدينة فاس، حيث تقطن الأسرة المغلوب على حالها.
"يطلبون مني مقابلا ماديا يفوق إمكانياتنا المتواضعة"، قال سعيد، وهو أب الطفل، قبل أن يضيف بحرقة "عملي كنجار يكفي بالكاد لتوفير متطلبات العيش والأدوية، فيما تطلب الجمعية التي تعنى بمرافقة أطفال التوحد مبالغ ماليا كبيرة تفوق قدرتي، مما اضطرني إلى الإبقاء عليه في البيت في انتظار الفرج".
ويحكي سعيد بمرارة كيف تدهورت حالة ابنه التي لم ينتبه إليها إلا بعد إكماله سنتين، "لتبدأ فصول معاناة أسرة كاملة، لا تزال مستمرة بعد أن استنفدنا جميع مدخراتنا في التكفل به، وها نحن نعاني في صمت دون أن نجد يدا تساعدنا"، قال الأب الذي أشار إلى أن أكثر ما يؤلمه هو أنه يرى نفسه عاجزا أمام ابنه.
سأتخلى عن ولدي
يرابط أيوب في بيت أسرته بعدما انقطع عن الذهاب إلى الجمعية التي كان يتلقى بها أبجديات الكتابة والمساعدة على النطق، ليظل حبيسا في غرفته طوال اليوم بعدما يئست الأسرة من حالته التي لم تتحسن، فيما يفكر الأب بالتخلي عنه لإحدى المراكز الخيرية أو الجمعيات التي تتبنى مثل حالات ابنه، بعد نفاذ صبره وحيلته.
قرار التخلي عن الطفل أيوب رغم صعوبته، إلا أنه يراود الأب كل حين، فيما ترفض الأم ذلك وتقول بأسى "لا يمكنني التفريط في فلذة كبدي. سأصبر معه وأعتني به إلى أن نجد حلا، إنه جزء مني ولا يمكن أن أتركه يواجه مصيره لوحده".
فيما يبرر الأب قراره بعجزه عن دفع مستحقات الرعاية التي تصل أحيانا إلى حوالي 5000 درهم في الشهر (ما يعادل 500 دولار أميركي تقريبا)، وعدم توفره على دخل ثابت.
معاناتهم صامتة
غياب الرعاية عن الأطفال المتوحدين وضعف الخدمات المقدمة من طرف المراكز المختصة في تتبع حالتهم، عجلت بخروج مسيرة وطنية أطلق عليها اسم "مسيرة زرقاء" هدفت إلى تسليط الضوء على ما تعانيه أسر المتوحدين، مطلع العام 2017، أمام البرلمان بالرباط، لكن لا شيء تغير، قال سعيد الذي شارك فيها.
أما آدم المقتضي، ناشط في تحالف الجمعيات العاملة في مجال التوحد بالمغرب، فيرى في حديث لموقع (إرفع صوتك) أن هناك جمعيات ومراكز تدعمها الدولة تستقبل هذه الفئات وتعتني بها، إما عن طرق المواكبة المستمرة، أو عبر المنح.
وأضاف الناشط أن الإحصائيات التقريبية تشير إلى وجود أكثر من 350 ألف طفل مصاب بالتوحد بالمغرب، لكن الرقم غير دقيق بسبب عدم إفصاح بعض الأسر عن مرض الأطفال.
"التوحد ليس مرضا تتم معالجته بالأدوية بل هو خلل يلازم الإنسان طوال حياته"، قال آدم، "وهذا ما يحتم علينا جميعا أفرادا ومؤسسات ووسائل إعلام.. الانخراط في التخفيف من آثاره على من قُدر عليهم العيش معه".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659