بحلول كانون الثاني/يناير 2015، أكمل داعش سيطرته الكاملة على الرقة/ وكالة الصحافة الفرنسية
بحلول كانون الثاني/يناير 2015، أكمل داعش سيطرته الكاملة على الرقة/ وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم خالد الغالي:

في الرابع من آذار/مارس 2013 أسقط المئات من سكان مدينة الرقة (شمال سورية) تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد في ساحة الاطفائية وسط المدينة. كان ذلك إعلانا بسقوط المدينة في يد المعارضة المسلحة، لتصبح أول مركز محافظة يخرج عن سيطرة الحكومة.

​​

​​

جاء سقوط الرقة مباغتا. فالمدينة التي كانت تضم قرابة 240 ألف نسمة، جذبت 800 ألف نازح بسبب استقرار الأوضاع فيها.

شاركت في معارك السيطرة على الرقة فصائل عدة داخل الجيش السوري الحر أو خارجه. من هذه الفصائل: أحرار الشام، كتائب الفاروق، لواء الناصر صلاح الدين، لواء ثوار الرقة وجبهة النصرة وغيرها. 

وفي الوقت الذي تقاسمت فيه الفصائل السيطرة على مفاصل المدينة، ظهرت تنسيقيات شبابية ومجالس محلية لملء الفراغ الهائل في أجهزة الدولة. وتشكلت مجموعات مدنية لتنظيم حركة المرور، وضمان عودة المدارس، والإشراف على حملات النظافة. بدا وكأن كل شيء يسير على ما يرام.

البغدادي يخلط الأوراق

منذ نهاية سنة 2012، حاول أبو بكر البغدادي، زعيم ما كان يعرف حينها بتنظيم "دولة العراق الإسلامية"،  توسعة نفوذه في سورية وضمّ جبهة النصرة تحت قيادته.

وبمجرد استقرار الأوضاع في الرقة سارع البغدادي، في 9 نيسان/أبريل 2013، إلى الإعلان في تسجيل صوتي أن "جبهة النصرة" في سورية ليست إلا امتدادا لـ"دولة العراق الإسلامية"، مؤكدا أنه قرر دمج التنظيمين معا تحت اسم جديد هو "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).

​​

​​

لم يتأخر رد قائد جبهة النصرة، الجولاني. وفي أقل من 36 ساعة أعلن رفضه لقرار البغدادي، مؤكدا أن تنظيمه سيبقى مستقلا. لكن هذا لم يحل دون أن تفقد جبهة النصرة الكثير من أعضائها لصالح التنظيم الجديد، كما فقدت مصادر مهمة من مصادر تمويلها. بهذه الطريقة صار لداعش موطئ قدم في الرقة ومقاتلون ومقرات وحواجز عسكرية كانت إلى وقت قريب تتبع لجبهة النصرة.

​​

​​

داعش يتغول

تحوّل داعش في وقت سريع إلى التنظيم الأقوى في المدينة، مستفيدا من انضمام أغلب مقاتلي النصرة إليه ومن الدعم الذي يأتيه من العراق. وشرع في التوسع على حساب باقي الفصائل، كما أطلق يد مقاتليه -الذين تميزوا بارتداء اللثام حينها- من أجل فرض قوانينه الصارمة على سكان المدينة.

ونفّذ داعش، خلال الفترة بين أيار/مايو وتموز/يوليو 2013، سلسلة اختطافات استهدفت أهم قادة الحراك: المحامي ورئيس المجلس الأعلى لمحافظة الرقة الذي شُكل بعد التحرير عبد الله الخليل، الناشط فراس الحاج صالح، الأب باولو دالوليو، الإعلامي إبراهيم الغازي.. وغيرهم. دفع هذا الوضع العديد من الشباب إلى الهرب نحو مدينة أورفا التركية، ليتم إسكات صوت النشطاء المدنيين نهائيا. حاول سكان الرقة الرد بالتظاهر أمام مقرات التنظيم، لكن دون جدوى.

​​

​​

الضربة القاضية

وقفت الفصائل المسلحة عاجزة أمام تقدم داعش الذي بدأ في الاستيلاء على مقراتها واحدا تلو الآخر، فيما انسحبت جبهة النصرة إلى مدينة الطبقة (55 كم غرب الرقة). وفي منتصف آب/أغسطس 2013، نفذ داعش هجوما استعراضيا ألقى الرعب في قلوب باقي الفصائل، عندما نجح في تدمير مقر تنظيم "لواء أحفاد الرسول" بالكامل عبر سيارة مفخخة، قبل أن ينجح أيضا في الإيقاع بأمير النصرة في الرقة أبي سعد الحضرمي وإعدامه.

​​

​​

بحلول كانون الثاني/يناير 2014، تحولت المواجهات المنفردة بين داعش والفصائل إلى حرب مفتوحة انتهت بانتصار داعش بعد معارك ضارية لمدة ثمانية أيام، استعان فيها التنظيم بمقاتليه القادمين من العراق.

بعد الإطاحة بالفصائل المسلحة، حوّل داعش وجهته نحو آخر المواقع العسكرية التي تحصنت بها بقايا الجيش السوري: مقر الفرقة 17 خارج المدينة وسيطر عليه في تموز/يوليو 2014، مقر اللواء 93 في عين عيسى واستولى عليه في 7 آب/أغسطس، وأخيرا مطار الطبقة العسكري في 24 من الشهر نفسه، ليتمكن من بسط سيطرته الكاملة على الرقة.

​​​​

​​

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 001202277365

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.