المغرب - زينون عبد العالي:
قادهم تشددهم إلى السجن سنوات طويلة، قبل أن يعلنونها "توبة نصوحا". وهم يقدمون الآن وصفة لمحاربة الفكر المتطرف أساسها الانفتاح على كتب التاريخ ومؤلفات النقد والاعتدال.
يرصد موقع (إرفع صوتك) تجربة سلفيين مغاربة قاموا بمراجعات عميقة، تمكنوا بفضلها من الحصول على عفو ملكي ليطلق سراحهم.
المراجعات سبيل للحرية
يحكي محمد عبد الوهاب رفيقي، المعتقل السلفي السابق بتهمة الإرهاب على خلفية تفجيرات الدار البيضاء سنة 2003، لموقع (ارفع صوتك) تجربته مع المراجعات الفكرية التي قام بها داخل زنزانته.
يقول محمد، الذي يرأس اليوم مركزا لمحاربة التطرف، "كنا نقوم بنقاشات فكرية عميقة تمتد لساعات نناقش فيها مضامين الكتب التي نقرأ. وكان لذلك أثر بارز على العديد من المنتمين لتيار السلفية الجهادية وأغلبهم بدون مستوى علمي أو معرفي لم يتبينوا حقيقة ما هم عليه إلا بفضل هذه القراءات والمناقشات التي ساعدتهم على التوبة".
أما يوسف مكور المعتقل السلفي على خلفية نفس الأحداث، فقام بدروه بمراجعات عميقة شملت ما يصفه بـ"الحشو السلفي" الذي غسل دماغه قبل دخوله السجن وخلال مخالطته بعض السلفيين بالسجن المركزي بالقنيطرة (غرب المغرب).
قرر يوسف القطع مع ماضيه. فكانت البداية بمطالعة كتب فكرية فتحت شهيته للغوص في عوالم الدين، ومنحته صفة "تائب" ليغادر بعد ذلك السجن قبل انتهاء مدة حكمه المحددة بـ15 سنة، قضى منها ثمان سنوات.
ماذا قرأ التائبون؟
رغم فقر خزانة السجن المركزي بالقنيطرة، واحتوائها على كتب لا تفيد في الراغبين في القيام بمراجعات فكرية جذرية، حسب يوسف، إلا أنه استطاع الحصول على عدة مؤلفات من بعض رفاقه السلفيين الذين انخرطوا في المراجعات.
يقول يوسف "استفدت كثيرا من كتاب (الثوابت والمتغيرات في العمل الإسلامي)، لصاحبه صلاح الصاوي، الذي تناول فيه عدة أمور كنت أجهل حقيقتها بسبب تحجر عقلي وهروبي من استخدام عين النقد والفحص".
ويضيف "كما كانت لرسائل النور لسعيد النورسي التي شملت تفسيرات مهمة للقرآن والفقه والعقيدة فضل كبير في اختياري منهج الوسطية والاعتدال، واجتناب الفكر المتشدد الذي دمر حياتي، إضافة إلى كتاب (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) لأبي الحسن الأشعري، ومؤلفات الداعية المغربي فريد الأنصاري".
كنوز معرفية منسية
قراءة كتب التاريخ الإسلامي قادت أبا حفص إلى تدشين صفحة جديدة في حياته داخل السجن، رغم صعوبة الحصول على ما يريده من الكتب بسبب الرقابة.
"كان لكتب ومراجع التاريخ الإسلامي أثر بالغ في فهمي لحقيقة الفكر الديني، والشوائب التي علقت به وهو منها براء، حيث اطلعت على عشرات الكتب والمؤلفات التي ساهمت في تكويني لنظرة أخرى للتراث الديني، ومن ذلك كتاب سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي"، يقول أبو حفص.
ويتابع المعتقل السلفي السابق أنه اطلع على كتب قيمة لا يعرفها الكثير من الباحثين عن التوازن الروحي والعقدي ككتاب (العلم الشامخ في تفضيل الله ورسوله على الآباء والمشايخ) لمؤلفه اليمني صالح المقبل، وهو كتب يصفه أبو حفص بالقيم.
تضييق ورقابة
"كانت مندوبية السجون تحرمنا من الحصول على ما نريده من الكتب، وهو ما اعتبرناه تضييقا علينا، لندخل في إضراب عن الطعام مقابل رفع الحظر عن إدخال الكتب إلى الزنازين، وهو ما تأتى لنا حيث استجابت إدارة السجن إلى مطالبنا وسمحت بإدخال الكتب بشروط"، يؤكد أبو حفص، مضيفا أن مندوبية السجون كانت تفرض رقابة على الكتب التي يطلبها السلفيون.
ومن ضمن هذه الشروط، حسب أبي حفص، ضرورة مراجعة الإدارة لمضمون الكتاب، إضافة إلى عدم السماح بإدخال أكثر من كتاب إلى الزنزانة، واسترجاعه قبل الاستفادة من كتاب آخر.
من جهتها، تؤكد المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أن جميع السجناء، بمن فيهم المتابعون في قضايا التطرف والإرهاب، يحق لهم الاستفادة من الكتب المتوفرة في المؤسسات السجنية، إضافة إلى الكتب والمطبوعات التي تندرج في إطار الدروس الجامعية وتخص السجناء الذين يتابعون دراستهم في المؤسسات التعليمية.
وتوضح المندوبة أن الكتب الممنوعة تشمل الكتب التي تشجع على العنف والتطرف، مشيرة إلى أن ذلك يتم وفق ضوابط وآليات قانونية.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659