القاهرة - الجندي داع الإنصاف:
عندما أصدر الأديب المصري المعروف طه حسين كتابه "في الشعر الجاهلي"، سنة 1926، كتب شيخ الأزهر يومها أبو الفضل الجيزاوي تقريرا متهما إياه بـ"الطعن في دين الدولة الرسمي"، ومطالبا بمحاكمته. إثرها، أحال البرلمان المصري طه حسين إلى النيابة العامة. لحسن حظ الكاتب المصري، رفض رئيس النيابة في مصر الدعوى، إذ لم ير فيها ما يثبت "طعنا في دين الدولة". نجا "عميد الأدب العربي"، غير أنه في العام الموالي أصدر الكتاب بعنوان جديد، "في الأدب الجاهلي"، وقد حذفت منه أربعة فصول.
اليوم، بعد أكثر من 90 عاما، يبدو أن لا شيء تغير. ففي الأسبوع الماضي فقط، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً بإيقاف برنامج "مع إسلام "للباحث إسلام بحيري بناء على دعوى قضائية رفعتها ضده مؤسسة الأزهر.
وجاء في الدعوى أن بحيري "اعتاد التطاول والهجوم على الشريعة الإسلامية وتوجيه النقد غير المستند على دليل صحيح". وفي العام الماضي فقط، حُكم على إسلام بحيري عليه بالسجن عاماً بتهمة ازدراء الأديان قبل أن يخرج بعفو رئاسي.
التهمة المخيفة
شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة أكثر من دعوى قضائية ضد كتاب وإعلاميين ورجال دين وفنانين بتهمة ازدراء الأديان. كان الأزهر طرفا في الكثير منها.
ويقبع الشيخ محمد عبد الله نصر، الشهير بميزو، في السجن منذ سنة تقريبا بتهمة ازدراء الدين الإسلامي وإنكار أحاديث وردت في صحيح البخاري والإدعاء بأنه المهدي المنتظر. وحكم على ميزو بالسجن خمس سنوات.
وقبله، وقف أمام المحكمة كل من الروائية والناشطة النسوية نوال السعداوي، والباحثة فاطمة ناعوت، والمفكر السيد القمني، والصحفي إبراهيم عيسى. وفي تسعينات القرن الماضي، اندلعت قضية المفكر المصري ناصر أبو زيد، الذي أجبر على مغادرة البلاد بعد دعوى قضائية انتهت بتطليقه من زوجته بدعوى أنه "مرتد".
ويذكر التاريخ المصري أيضا القضية الشهيرة للكاتب مصطفى محمود، الذي طالب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بمحاكمته بناء على طلب من مؤسسة الأزهر، بسبب كتابه "الله والإنسان".
اقرأ أيضا:
الأزهر يدرس "المفاهيم الصحيحة" للتكفير والجهاد والحاكمية
دعوى أمام القضاء.. هل تحظر مصر النقاب؟
ولم يسلم من التهمة الفنانون أيضا، حيث خضع الفنان الشعبي شعبان عبد الرحيم للتحقيق أمام النيابة لظهوره وهو يقرأ القرآن في أحد الفيديوهات، منهيا قراءته بعبارة "بس كده". لاحقا، تنازل الأزهر عن الدعوى. وتعرض المطرب حكيم أيضا لانتقادات شديدة إثر ظهوره في فيديو كليب إحدى أغانيه، وهو يسند قدمه على حائط كتبت عليه آية قرآنية.
الأزهر في قفص الاتهام
جرت هذه القضايا، التي كان الأزهر حاضرا في الكثير منها، المؤسسة الدينية الأكبر في مصر إلى قفص الاتهام بالتضييق على الحريات.
بالنسبة للباحثة فاطمة ناعوت، "يدل هذا على أن الأزهر فقد الحجة على المناقشة، فمقاضاة الناس على آرائهم لون من الفقر الفكري".
وتعرضت الأديبة المصرية للمحاكمة، بسبب تغريدة حول عيد الأضحى كتبتها سنة 2014، وحُكم عليها حينها بالسجن ثلاث سنوات، قبل أن يخفض إلى ستة أشهر موقوفة التنفيذ. تقول ناعوت "حينما تتحدث، وتبدي رأياً مخالفاً هل أقوم برفع دعوى ضدك؟ بالطبع لا".
لكن عبد المقصود باشا، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، يرد قائلا "ليس أمامنا إلا القضاء بعد أن سدت القنوات الفضائية أبوابها في وجه العلماء، وبعد أن طلبنا من هؤلاء الأدعياء مرارا وتكرارا أن يأتوا إلى الأزهر لنحاورهم ولم يحضروا".
ويدعو الشيخ الأزهري منتقديه إلى المناظرة. "باب الأزهر مفتوح للجميع، من كل الديانات، وعلماؤه جاهزون لمحاورة من يريد". ويتهم باشا خصومه بأنهم "أدعياء إعلاميين يريدون الثراء.. دون أن يمتلكوا المؤهلات أو المادة العلمية".
أما السيد القمني، الذي وقف أمام القضاء ثلاث مرات بسبب دعاوى رفعها ضده الأزهر، فيبدو غير متفاجئ من إقدام أكبر مؤسسة دينية في مصر على رفع هذا العدد الكبير من القضايا.
"الأزهر مؤسسة تقليدية قديمة لم يحدث فيها أي تجديد في يوم من الأيام"، يقول القمني.
ويعتبر المفكر المصري أن "شراسة الأزهر" ازدادت أكثر بعد دستور سنة 2014 الذي "أعطى الأزهر وشيخه مكانة خاصة جدا. وأصبح شيخ الأزهر فوق المساءلة وفوق العزل وفوق كل شيء. فأصبح صاحب سلطة، وهذا يرينا أنهم عندما يمسكون السلطة يتغولون".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659