انفصاليون يلوحون بعلامة النصر بعد السيطرة على مراكز شرطة جنوب اليمن
انفصاليون يلوحون بعلامة النصر بعد السيطرة على مراكز شرطة جنوب اليمن

صنعاء - غمدان الدقيمي:

يروي وضاح مقبل، وهو مواطن يمني ينحدر من محافظة تعز جنوبي غرب البلاد باستياء بالغ، كيف تعرض للإيقاف والترهيب أكثر من مرة على يد مسلحين انفصاليين يرتدون أزياء مدنية على أبواب مدينة عدن، والطريق المؤدي منها (عدن) إلى صنعاء عبر مدينة الضالع الجنوبية، بسبب انتمائه الشطري السابق إلى شمالي البلاد. 

حتى زملاء العمل

يقول أحمد محمد (28 عاما)، وهو طالب دراسات عليا ومدرس (معيد) في إحدى كليات جامعة عدن، “في كل مرة يتم ايقافي بحجة أنني شمالي، يطلبون مني العودة إلى تعز لتحريرها من الحوثيين”.

ويؤكد أحمد محمد لموقع (إرفع صوتك) أن ممارسات التضييق على الشماليين في عدن، ومدن جنوبية أخرى لا تتم فقط من قبل رجال الأمن والمسلحين المدنيين، “بل حتى من زملاء العمل (أكاديميين وغيرهم)”.

اقرأ أيضاً:

بيت العود العدني.. مبادرة لإحياء موسيقى اليمن

شاب يمني أسّس نادٍ ثقافي وقُتل بسبب آرائه...

عداء وحنين

ومنذ استعادة مدينة عدن من قبضة القوات الموالية للرئيس اليمني السابق والحوثيين، منتصف تموز/يوليو 2015، تصاعدت النزعة الانفصالية وموجة العداء ضد كل ما هو شمالي في المدينة التي تتخذها الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة للبلاد، ومدن جنوبية عدة.

ويسود اليوم حنين جامح في أوساط قطاع كبير من الجنوبيين إلى استعادة الدولة الشطرية عند حدودها السابقة، بعملتها وعلمها وعاصمتها عدن، بعد نحو 27 عاما من الوحدة الاندماجية بين شطري اليمن.

لمحة تاريخية عن الصراع بين شمال وجنوب اليمن

وقد مثلت حرب صيف 1994، عندما اجتاحت قوات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح محافظات جنوب اليمن، على خلفية إعلان نائبه الجنوبي آنذاك علي سالم البيض الانفصال، بعد أقل من أربع سنوات على قيام الوحدة الاندماجية بين شطري البلاد (22 أيار/مايو 1990)، البداية الحقيقية لقضية الجنوب التي تعد أبرز إشكالية وتحدي واجهته الدولة اليمنية في تاريخها المعاصر. وخلفت تلك الحرب التي انتصر فيها الشمال ما بين سبعة إلى عشرة آلاف قتيل.

ومنذ ذلك الوقت انفرد صالح بحكم اليمن، ومارس سياسة المنتصر، وتم تسريح آلاف الجنوبيين عسكريين ومدنيين من وظائفهم. ورغم ظهور أصوات تنادي بتصحيح مسار الوحدة نهاية التسعينيات، إلا أن السلطات في صنعاء رفضتها وأطلقت شعارات منها الوحدة أو الموت.

وعام 2007، بدأ عدد كبير من الضباط والجنود وغيرهم من الموظفين الجنوبيين المسرحين من أعمالهم تنظيم مظاهرات أبرزها في مدينة عدن، بهدف مطالب حقوقية، لكن الحكومة المركزية في صنعاء تجاهلتها تارة وقمعتها تارة أخرى.

ودفعت الظروف الصعبة عشرات الآلاف من الجنوبيين للانخراط في تلك الاحتجاجات التي رفعت لاحقاً مطالب سياسية تدعو للانفصال. ويضم الحراك الجنوبي مكونات عديدة يتزعمها قادة بارزون، لكل منها مشروعها الخاص بالاستقلال.

وفي لحظة فارقة غابت أصوات كثير من أولئك القادة عن المشهد، بعد أن تحققت انجازات ملموسة للقضية الجنوبية تضمنتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل (2013 –2014)، بإنتاج إصلاح واسع لشكل الدولة اليمنية وتأسيس نظام اتحادي، ونوع من التمييز الإيجابي لأبناء المناطق الجنوبية، نظير معاناتهم.

لكن اجتياح الحوثيين وحلفائهم للعاصمة صنعاء، في أيلول/سبتمبر 2014، وتوسعهم في بقية المحافظات واندلاع حرب مستمرة حتى اليوم، أعاد الأمور إلى المربع الأصعب.

ومنذ استعادة مدينة عدن من قبضة القوات الموالية للرئيس اليمني السابق والحوثيين، منتصف تموز/يوليو 2015، بمشاركة القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا وأخرى موالية للحراك الجنوبي والتحالف العربي الذي تقوده السعودية، تصاعدت النزعة الانفصالية وموجة العداء ضد كل ما هو شمالي في المدينة التي تتخذها الحكومة الشرعية عاصمة مؤقتة للبلاد، ومدن جنوبية عدة.

كلمات جارحة

يقول وضاح مقبل “عشت وأطفالي معاناة قاسية جدا بسبب التعامل السيء من قبل أفراد وقيادات نقاط تفتيش جنوبية أثناء سفري إلى صنعاء عبر طريق عدن- الضالع في ظل تصاعد موجة العداء ضد المواطنين المنحدرين من المحافظات الشمالية”.

أضاف مقبل، وهو موظف في القطاع الخاص بصنعاء، لموقع (إرفع صوتك) “أثناء التفتيش، كان أفراد النقاط يتلفظون علينا بكلمات جارحة بسبب كوننا شماليين، بل يجبرون سائقي المركبات على دفع مبالغ مالية مقابل السماح لهم بالعبور من وإلى عدن”.

يتابع “نتيجة العدد الكبير من نقاط التفتيش غير الضرورية على طول الطريق، استغرقنا من الوقت نحو 14 ساعة للسفر إلى صنعاء، بدلا من 6 أو 7 ساعات قبل الحرب الأخيرة”.

وسرد الشاب الثلاثيني قصة اثنين من أصدقائه منعهما مسلحون جنوبيون من الدخول إلى عدن وأجبروهما على توقيع تعهد بعدم العودة إلى المدينة مرة أخرى.

“صديقاي كانا يعملان في مخبز بمدينة عدن منذ سنوات طويلة، الآن أصبحا عاطلين عن العمل”، قال وضاح مقبل.

نفي

لكن منصور صالح، وهو نائب مدير الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، نفى صلتهم بأي أعمال لا إنسانية.

وحمّل حزب تجمع الإصلاح الإسلامي ذو المرجعية السنية المسؤولية في خلق حالة من العداء بين المواطنين الشماليين والجنوبيين. لكن قياديا في حزب الإصلاح سخر من هذه الاتهامات.

“مجرد تأجيج إعلامي يراد أن يرسخ في أذهان الناس أنهم مستهدفون ويعيشون في ظروف خطيرة”، قال صالح، لموقع (إرفع صوتك).

لكنه لم يخف أن أشخاصا دخلاء في “المقاومة الجنوبية” مارسوا ابتزازا ضد مواطنين شمالين دون وجه حق في مناطق نائية في أطراف عدن. “تم ضبط عدد منهم ومحاسبتهم”، على حد قوله.

اعتراف

واعترف صالح أنه “لا يمكن السماح لأي مواطن شمالي يتواجد في عدن أن يرفع علم الجمهورية اليمنية، وممارسة قناعاته السياسية في هذا الظرف غير الطبيعي”، في تعليق على ترحيل شماليين مناوئين للحراك الجنوبي المطالب بالانفصال في عدن.

غير أنه قال إن الشيء ذاته ينطبق على الجنوبيين في صنعاء. “من المستحيل السماح لهم بالتعبير عن آرائهم المطالبة بفك ارتباط الجنوب عن الشمال”.

حلول

وقال منصور صالح إن "غالبية الجنوبيين يأسوا من الوحدة ليس لأنهم ضدها كمشروع، بل بسبب التصرفات والممارسات البشعة والتهميش والفساد. لذلك لا مجال لاستمرار الوحدة”.

ويرى مراقبون يمنيون أن استعادة الدولة اليمنية واحتكارها للسلاح وتطبيق القوانين بشكل ديموقراطي كتجربة مؤتمر الحوار الوطني “هو المدخل الحقيقي لإنتاج حلول لكافة القضايا بما فيها القضية الجنوبية”.

وفي 11 أيار/مايو 2017، أعلن في مدينة عدن تشكيل "هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي" لإدارة المحافظات الجنوبية برئاسة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي، ونائبه في المجلس الجديد وزير الدولة المقال هاني بن بريك المواليان للإمارات، بعد نحو أسبوعين من قرار رئاسي بإقالتهما.

وأعلن الرئيس اليمني المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي الرفض القاطع لهذا المجلس، بينما دعا مجلس التعاون الخليجي لنبذ دعوات الفرقة والانفصال والالتفاف حول الشرعية، واستكمال تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني بما في ذلك القضية الجنوبية.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.