صورة لعشوائية الدورة في بغداد حيث تعيش أكثر من 170 عائلة مشرّدة
صورة لعشوائية الدورة في بغداد حيث تعيش أكثر من 170 عائلة مشرّدة

بغداد - دعاء يوسف:  

مآوٍ بسيطة لا يتعدى أحدها غرفة من الخشب أو الطين أو حتى من الكارتون والأقمشة البالية، تتكدس جنبا إلى جنب في المساحات الفارغة المحيطة بالعاصمة بغداد.

مئات من الوحدات السكنية العشوائية، لم تشوه مظهر العاصمة حسب، بل أتت على كل مساحاتها الخضراء، تقريبا.

في هذه الفوضى العمرانية يقطن نحو أربعة ملايين عراقي جلهم من الفقراء، والنازحين جراء الظروف الأمنية التي تمر بها مناطقهم، وفقا لدراسة أجراها القسم الإحصائي في وزارة التخطيط العراقية.

 

اقرأ ايضاً:

مدينة الذرى للمعاقين في بغداد... كيف تغيّر حالها؟

ماذا تعرف عن "أحياء الأرامل" ببغداد؟

وبحسب المدير الإعلامي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، العاصمة بغداد هي من أكثر المدن العراقية التي تنتشر فيها العشوائيات، "حيث تضم ١٠٠٠ عشوائية، تليها محافظة البصرة وتضم أكثر من ٧٠٠ عشوائية".

نشوء العشوائيات

يقول الخبير عادل نعمان، الذي أعدّ دراسات عن ظهور العشوائيات وأوضاعها، إن هذه الظاهرة بدأت بعد سقوط النظام السابق (نظام صدام حسين) عام ٢٠٠٣، إذ اضطرت الكثير من العائلات الفقيرة الى استغلال الأراضي الزراعية والمباني الحكومية والمقرات العسكرية الفارغة، "بينما سكن آخرون في البيوت التي تركها أصحابها لأنهم كانوا من أتباع النظام السابق".

وفي عام ٢٠٠٦، أصبحت التجمعات العشوائية ملاذاً للعائلات الهاربة من المدن والقرى والمحافظات العراقية بسبب الاقتتال الطائفي، والصراعات العشائرية والثارات. "ولكن، بعد العام ٢٠٠٨ صار من الصعب سماع عبارة (عشوائيات) دون أن يخطر ببالك الخارجون عن القانون والعصابات المسلحة. إذ اشيع أن هذه المجاميع تعيش فيها"، حسب نعمان.  

يشرح نعمان أن للحروب والإرهاب والصراعات في البلاد التأثير الأكبر في ظهور التجمعات العشوائية التي أثرت بشكل سلبي حتى على المدن المجاورة والقريبة منها. 

وبعد أكثر من 10 سنوات، تحولت أجزاء كبيرة من هذه التجمعات العشوائية إلى مساكن للنازحين من المدن التي تعرضت بسبب سيطرة داعش إلى مواجهات عسكرية وتخريب للبنى التحتية والتدمير وحرق المزارع والأراضي الخضراء وقطع الكثير من الأشجار والنخيل.

ويشير الخبير إلى أن الذين يسكنون في التجمعات العشوائية ليست لديهم إمكانية مالية لتوفير مساكن وخدمات مناسبة لهم، فصاروا يعتمدون على توفير المياه والمجاري والكهرباء من خلال التجاوز على الخدمات المقدمة للأماكن المجاورة لهم، وبالتالي ولدوا ضغطا على حصص غيرهم من تلك الخدمات.

تأثيرات بيئية

وتوضح دارسة القسم الإحصائي في وزارة التخطيط العراقية نفسها أن اكتظاظ المدن يفرض بيئة حضرية فقيرة مليئة بالأمراض وسيادة انعدام المساواة بالنسبة للمرأة وتزايد التمييز وتتكاثر العوائق للحصول فرص متكافئة في الاقتصاد، مما جعل الكثيرين يحرمون من المأوى الملائم ومن القدرة على الحصول على الخدمات الأساسية.

أما التدهور في مساحات الأراضي وخاصة المساحات الصالحة للزراعة منها، يشكل احتمالية كبيرة للتعرض للجفاف والتصحر مما ينجم عنه من نقص في الغذاء والوقود، حسب الدراسة. 

ويشرح الهنداوي أن الظروف الأمنية في السنوات الأخيرة قد فرضت نزوح آلاف من السكان وتشريدهم مما خلق أحياء فقيرة ومكتظة فضلا عن سكان التجمعات العشوائية، مشيرا إلى أن الزيادة الكبيرة في العشوائيات قد أثرت بشكل سلبي على الخدمات الأساسية، حيث تشير نتائج المسح البيئي في العراق (الماء المجاري الخدمات) لسنة ٢٠١٦ إلى تناقص كميات الاستهلاك من الماء الصافي (١٣٣٣٧٩) ألف ٣م في العام ٢٠١٥ قياساً عن (١٣٩٨٠) ألف ٣م في العام ٢٠١٤. كما باتت حصة الفرد من الماء الصافي المجهز للسكان (٣٢٠) لتر/يوم لسنة ٢٠١٥ مقارنة بـ (٣٧٠) لتر/يوم في سنة ٢٠١٤.

ويذهب المدير الإعلامي الى أن التحضر والنمو السكاني والتغيير المناخي من العوامل التي تفاقم ندرة الموارد الطبيعية مع اتساع الفجوة بين العرض والطلب على المياه.

ويرى نعمان، من ناحيته، أن النزوح قد أدى إلى توسع هائل في التجمعات العشوائية التي ضغطت بدورها على الجوانب الصحية والبيئية، بما في ذلك المياه والزراعة وحتى الهواء.

ويشير إلى أن الأراضي الزراعية باتت تُباع كأراضٍ سكنية، كونها شكلت تجارة مربحة عند الكثير من المزارعين الذين فضلوا تجريف بساتينهم وتقطيعها لبيعها على شكل أراض سكنية ولكن بأسعار أقل بكثير من أسعار العقارات في السوق المحلية.

مشكلة متفاقمة

ورغم أن الحكومة العراقية تحاول إيجاد حلول للأزمة، "لكن مشكلة التجمعات العشوائية تتفاقم يوما بعد يوم"، حسب ما يقول المتحدث الرسمي باسم أمانة بغداد حكيم عبد الزهرة.

يشير زهرة إلى أن أمانة بغداد شكلت لجانا خاصة لتدارس ملف العشوائيات ومتابعته. وكشفت النتائج أن بعض المتجاوزين يسكن في أراض تابعة للدولة والبعض الآخر يسكن في أراض زراعية وغيرهم اتخذ من بيوت وأراضي القطاع الخاص سكنا له.

ورصدت اللجان تفاوتا في مساحة السكن للعائلات، فكان هناك من يسكن بأراض مساحتها تزيد على ٨٠٠ م في حين يسكن غيره بمساحة لا تتجاوز ٥٠ م.

ويُلزم إيجاد حلٍّ لمشكلة التجمعات العشوائية بإعادة رسم المناطق والمدن التي تنتشر فيها هذه التجمعات من جديد لتوفير خدمات البلدية من مياه ومجار وشوارع، وكذلك تحديد أماكن خاصة للمدارس والمستوصفات الصحية وغير ذلك، بحسب زهرة ، الذي يشير إلى أن الأمانة الآن تسعى بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لإيجاد الحلول المناسبة لمشكلة العشوائيات. 

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.