بغداد - دعاء يوسف:
مآوٍ بسيطة لا يتعدى أحدها غرفة من الخشب أو الطين أو حتى من الكارتون والأقمشة البالية، تتكدس جنبا إلى جنب في المساحات الفارغة المحيطة بالعاصمة بغداد.
مئات من الوحدات السكنية العشوائية، لم تشوه مظهر العاصمة حسب، بل أتت على كل مساحاتها الخضراء، تقريبا.
في هذه الفوضى العمرانية يقطن نحو أربعة ملايين عراقي جلهم من الفقراء، والنازحين جراء الظروف الأمنية التي تمر بها مناطقهم، وفقا لدراسة أجراها القسم الإحصائي في وزارة التخطيط العراقية.
اقرأ ايضاً:
مدينة الذرى للمعاقين في بغداد... كيف تغيّر حالها؟
ماذا تعرف عن "أحياء الأرامل" ببغداد؟
وبحسب المدير الإعلامي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، العاصمة بغداد هي من أكثر المدن العراقية التي تنتشر فيها العشوائيات، "حيث تضم ١٠٠٠ عشوائية، تليها محافظة البصرة وتضم أكثر من ٧٠٠ عشوائية".
نشوء العشوائيات
يقول الخبير عادل نعمان، الذي أعدّ دراسات عن ظهور العشوائيات وأوضاعها، إن هذه الظاهرة بدأت بعد سقوط النظام السابق (نظام صدام حسين) عام ٢٠٠٣، إذ اضطرت الكثير من العائلات الفقيرة الى استغلال الأراضي الزراعية والمباني الحكومية والمقرات العسكرية الفارغة، "بينما سكن آخرون في البيوت التي تركها أصحابها لأنهم كانوا من أتباع النظام السابق".
وفي عام ٢٠٠٦، أصبحت التجمعات العشوائية ملاذاً للعائلات الهاربة من المدن والقرى والمحافظات العراقية بسبب الاقتتال الطائفي، والصراعات العشائرية والثارات. "ولكن، بعد العام ٢٠٠٨ صار من الصعب سماع عبارة (عشوائيات) دون أن يخطر ببالك الخارجون عن القانون والعصابات المسلحة. إذ اشيع أن هذه المجاميع تعيش فيها"، حسب نعمان.
يشرح نعمان أن للحروب والإرهاب والصراعات في البلاد التأثير الأكبر في ظهور التجمعات العشوائية التي أثرت بشكل سلبي حتى على المدن المجاورة والقريبة منها.
وبعد أكثر من 10 سنوات، تحولت أجزاء كبيرة من هذه التجمعات العشوائية إلى مساكن للنازحين من المدن التي تعرضت بسبب سيطرة داعش إلى مواجهات عسكرية وتخريب للبنى التحتية والتدمير وحرق المزارع والأراضي الخضراء وقطع الكثير من الأشجار والنخيل.
ويشير الخبير إلى أن الذين يسكنون في التجمعات العشوائية ليست لديهم إمكانية مالية لتوفير مساكن وخدمات مناسبة لهم، فصاروا يعتمدون على توفير المياه والمجاري والكهرباء من خلال التجاوز على الخدمات المقدمة للأماكن المجاورة لهم، وبالتالي ولدوا ضغطا على حصص غيرهم من تلك الخدمات.
تأثيرات بيئية
وتوضح دارسة القسم الإحصائي في وزارة التخطيط العراقية نفسها أن اكتظاظ المدن يفرض بيئة حضرية فقيرة مليئة بالأمراض وسيادة انعدام المساواة بالنسبة للمرأة وتزايد التمييز وتتكاثر العوائق للحصول فرص متكافئة في الاقتصاد، مما جعل الكثيرين يحرمون من المأوى الملائم ومن القدرة على الحصول على الخدمات الأساسية.
أما التدهور في مساحات الأراضي وخاصة المساحات الصالحة للزراعة منها، يشكل احتمالية كبيرة للتعرض للجفاف والتصحر مما ينجم عنه من نقص في الغذاء والوقود، حسب الدراسة.
ويشرح الهنداوي أن الظروف الأمنية في السنوات الأخيرة قد فرضت نزوح آلاف من السكان وتشريدهم مما خلق أحياء فقيرة ومكتظة فضلا عن سكان التجمعات العشوائية، مشيرا إلى أن الزيادة الكبيرة في العشوائيات قد أثرت بشكل سلبي على الخدمات الأساسية، حيث تشير نتائج المسح البيئي في العراق (الماء – المجاري – الخدمات) لسنة ٢٠١٦ إلى تناقص كميات الاستهلاك من الماء الصافي (١٣٣٣٧٩) ألف ٣م في العام ٢٠١٥ قياساً عن (١٣٩٨٠) ألف ٣م في العام ٢٠١٤. كما باتت حصة الفرد من الماء الصافي المجهز للسكان (٣٢٠) لتر/يوم لسنة ٢٠١٥ مقارنة بـ (٣٧٠) لتر/يوم في سنة ٢٠١٤.
ويذهب المدير الإعلامي الى أن التحضر والنمو السكاني والتغيير المناخي من العوامل التي تفاقم ندرة الموارد الطبيعية مع اتساع الفجوة بين العرض والطلب على المياه.
ويرى نعمان، من ناحيته، أن النزوح قد أدى إلى توسع هائل في التجمعات العشوائية التي ضغطت بدورها على الجوانب الصحية والبيئية، بما في ذلك المياه والزراعة وحتى الهواء.
ويشير إلى أن الأراضي الزراعية باتت تُباع كأراضٍ سكنية، كونها شكلت تجارة مربحة عند الكثير من المزارعين الذين فضلوا تجريف بساتينهم وتقطيعها لبيعها على شكل أراض سكنية ولكن بأسعار أقل بكثير من أسعار العقارات في السوق المحلية.
مشكلة متفاقمة
ورغم أن الحكومة العراقية تحاول إيجاد حلول للأزمة، "لكن مشكلة التجمعات العشوائية تتفاقم يوما بعد يوم"، حسب ما يقول المتحدث الرسمي باسم أمانة بغداد حكيم عبد الزهرة.
يشير زهرة إلى أن أمانة بغداد شكلت لجانا خاصة لتدارس ملف العشوائيات ومتابعته. وكشفت النتائج أن بعض المتجاوزين يسكن في أراض تابعة للدولة والبعض الآخر يسكن في أراض زراعية وغيرهم اتخذ من بيوت وأراضي القطاع الخاص سكنا له.
ورصدت اللجان تفاوتا في مساحة السكن للعائلات، فكان هناك من يسكن بأراض مساحتها تزيد على ٨٠٠ م في حين يسكن غيره بمساحة لا تتجاوز ٥٠ م.
ويُلزم إيجاد حلٍّ لمشكلة التجمعات العشوائية بإعادة رسم المناطق والمدن التي تنتشر فيها هذه التجمعات من جديد لتوفير خدمات البلدية من مياه ومجار وشوارع، وكذلك تحديد أماكن خاصة للمدارس والمستوصفات الصحية وغير ذلك، بحسب زهرة ، الذي يشير إلى أن الأمانة الآن تسعى بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لإيجاد الحلول المناسبة لمشكلة العشوائيات.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659