متابعة (ارفع صوتك):
توفي عالم الحديث الشهير محمد بن إسماعيل البخاري قبل 12 قرنا، لكن مجرد التشكيك في كتابه (صحيح البخاري) قد يقود إلى السجن، أو على الأقل المحاكمة، في كثير من الدول الإسلامية.
مراد الخلايلة (34 عاما) معلم تربية إسلامية في إحدى مدارس محافظة الزرقاء وسط الأردن يقف أمام القضاء منذ سنة تقريبا؛ بتهمة "إثارة الفتن والنعرات الطائفية، وإهانة الشعور الديني لدى الغير"، بعدما شكك في أحد الأحاديث الواردة في "صحيح البخاري" أمام طلبته في المرحلة الثانوية.
"تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة.. فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين"، هذا الحديث الذي ترويه زوجة النبي عائشة ويحكي قصة زواجها هو الذي أثار حفيظة المعلم الأردني، فقرر أن يبدي رأيه فيه داخل الفصل.. وبوضوح.
"بدأت بإنكار هذا الحديث ووصفه بأنه غير صحيح"، يقول مراد في تصريح لموقع (إرفع صوتك).
بالنسبة للمعلم الأردني، كان التشكيك دفاعا عن زوجة النبي، كما يقول. لكن في أعين كثيرين من طلابه، كان هذا تشكيكا في أهم مرجع سني في الحديث.
التشكيك في البخاري
تخرج مراد من كلية أصول الدين التابعة لجامعة البلقاء التطبيقية. الملفت أنه من نفس العائلة التي ينتمي إليها الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي.
منذ اندلاع قصته، قبل سنة، فضل أن يظل صامتا في أغلب الأوقات، لكنه قرر خلال الفترة الأخيرة أن يخرج إلى العلن ويتحدث إلى وسائل الإعلام.
يؤكد المعلم الأردني أن بعض طلبته كانوا يتقبلون تعليقاته على البخاري، في حين توجه آخرون إلى إدارة المدرسة وقدموا شكوى ضده، "بصورة مبالغ فيها".
بحسب الخلايلة، تعرض مدير المدرسة لضغوط شديدة للتقدم بشكوى رسمية ضده في المركز الأمني. "لا يجوز هذا، فمن المفترض أن يتم التحقيق معي في البداية من خلال لجان متخصصة في الوزارة".
اليوم يقف المعلم الأردني أمام المحكمة بتهمة "إثارة الفتن والنعرات الطائفية، وإهانة الشعور الديني لدى الغير".
يحظى "صحيح البخاري"، واسمه الكامل "الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه"، بمكانة خاصة في العالم الإسلامي السني، ويوصف من علماء الحديث بأنه "أصح كتاب" بعد القرآن، فيما يلقب صاحبه، الإمام البخاري، بأنه "أمير المؤمنين في الحديث".
ويقابل أي نقد له، ولو كان صغيرا، بهجوم شديد بدعوى حماية السنة. "علينا أن نعلم أنه في العالم الإسلامي السني، هناك نوع من الإجماع على أن كتب السنة، البخاري ومسلم تحديدا، مرجعيات أساسية لدى الغالبية"، يقول الخبير في شؤون الجماعات المتشددة حسن أبو هنية.
ويعتبر الباحث الأردني ردة الفعل التي قوبل بها تصرف الأستاذ الأردني "طبيعية" في ظل المكانة الخاصة التي يتمتع بها البخاري. ويشير هنية إلى ردة فعل مشابهة في المغرب بعد صدور كتاب بعنوان "صحيح البخاري نهاية الأسطورة".
دفاعا عن زوجة النبي
في حديثه لموقع (إرفع صوتك) يصر مراد الخلايلة على أنه كان يدافع عن زوجة النبي عائشة بالتشكيك في قصة زواجها في سن السادسة. "من أولى أن أدافع عنه؟ عن الأنبياء وعن السيدة عائشة أم عن البخاري وعن كتاب منسوب إليه لا نعلم من ألفه؟"، يقول المعلم.
لكن هذا لم يكن كافيا. يشدد الباحث حسن أبو هنية أن المؤسسات الدينية الرسمية في الأردن "ليست متوافقة مع طروحات تشكك في صحة روايات البخاري".
تعرض المعلم الأردني طوال السنة الماضية لـ"حملة تحريضية" في وسائل الإعلام، يقول إنها زادت من قضيته تعقيداً، ووصلت إلى درجة تلقيه تهديدات بالقتل.
في إحدى خطب الجمعة في محافظة الزرقاء، اتهمه الخطيب بالتطاول على الدين والمقدسات وبنشر التشيع وسط طلابه.
الداعية والباحث في شؤون التقارب بين الأديان مصطفى أبو رمّان يؤكد الحاجة "لنقد ذاتي لتاريخنا كله"، رغم أن المهمة مخفوفة بالمخاطر.
يوضح أبو رمان أن أحاديث مثل حديث زواج عائشة، تفتح الباب أمام تشويه صورة الإسلام والإساءة إليه. ويقول مستنكراً "هل من المعقول أن يبقى تاريخنا مكتوباً كما هو، بصحيحه وسقيمه، ونبقى نفتخر به وبعضه يخالف كتاب الله ويخالف العقل والمنطق وسيرة النبي".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659