بقلم عبد العالي زينون:
رغم وجود تعليم عصري متقدم، يحظى التعليم العتيق (التعليم الديني) في المغرب بمكانة خاصة. حقيقة تؤكدها أعداد المدارس والطلبة.
وبلغ عدد مدارس التعليم العتيق 289 مدرسة، يتركز أغلبها في الوسط القروي ويدرس بها أكثر من 32 ألف طالب.
يلج الطلبة في العادة المدارس العتيقة بعد أن يكونوا حفظوا القرآن في الكتاتيب القرآنية.
وينتشر في المغرب أكثر من 11 ألف كتاب قرآني (تابع لمسجد) يدرس بها 320 ألف طالب، وأكثر من 2100 مركز مستقل (غير تابع لمسجد) لتحفيظ القرآن يدرس بها 100 ألف طالب.
صهيب المحساني، 21 سنة، طالب في السنة الأخيرة بالمرحلة الثانوية في مدرسة "الحاج الريفي الخاصة" بالعاصمة الرباط. بنهاية السنة، سيحصل على شهادة الثانوية العامة في التعليم العتيق.
قدم صهيب إلى الرباط من نواحي مدينته شفشاون (شمال المغرب)، بعدما أتم حفظ القرآن في أحد كتاتيب منطقته.
تكريس الشرعية
لا تختلف مراحل التعليم العتيق في المغرب عن التعليم النظامي في شيء. وتبدأ بالمرحلة الابتدائية (في سن السادسة أو السابعة) وتنتهي بالمرحلة الجامعية (يطلق عليها في التعليم العتيق النهائية) مرورا بالمرحلتين الإعدادية والثانوية.
تخضع المدارس العتيقة لوصاية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية. أطلقت الأخيرة منذ سنة 2002 خطة واسعة لهيكلة الحقل الديني، شملت التعليم العتيق أيضا.
يقول الباحث السياسي محمد شقير إن الدولة المغربية تولي اهتماما خاصا بالتعليم العتيق لكسب مزيد من الشرعية الدينية. "شرعية النظام الملكي في المغرب قائمة على الشرعية الدينية"، يوضح شقير.
ومنذ ستينات القرن الماضي، أطلق الملك الراحل الحسن الثاني مبادرات متنوعة لإحياء التعليم العتيق، فأمر بإحداث دار الحديث الحسنية (مؤسسة جامعية)، وجعلها تابعة مباشرة للقصر الملكي.
"لتكريس الشرعية لا بد من العمل على إنتاج شرائح وفئات تضمن تكريس شرعية ملك المغرب باعتباره أميرا للمؤمنين لذا تم فتح العديد من الكتاتيب القرآنية في المدن، وإصلاح بعض مؤسسات التعليم الديني كجامعة القرويين ودار الحديث الحسنية"، يقول شقير.
حصن ضد التطرف
ظل الفقهاء لفترة طويلة المتحكمين الأساسيين في مدارس التعليم العتيق، لكن وزارة الأوقاف سارعت إلى احتواء الموقف خوفا من انتشار أفكار متطرفة في صفوف الطلبة.
ويلقي الباحث في الدراسات الإسلامية منتصر حمادة، باللوم على ما يسميه "التدين المشرقي" في انتشار التطرف في المغرب.
يقول "إذا كانت هناك مؤاخذات على هذه المدارس، فمردها إلى بعض حالات التطرف العنيف التي طالتها ومردها تدين مشرقي المصدر، وليس التديّن الذي تكرسه هذه المدارس، وإلا كنا عاينا التطرف العنيف منذ قرون وليس اليوم".
ويحلم صهيب المحساني أن يستكمل دراسته في العلوم الشرعية وأن يصير "عالما" يحارب الأفكار المتطرفة.
"لا أريد أن أكون فقيها حبيس المسجد، بل إماما يرشد الناس إلى الطريق القويم ويحارب التشدد والغلو"، يقول صهيب.
ويشدد حمادة، وهو باحث في مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث بالرباط، على ضرورة حماية مدارس التعليم العتيق.
"ما يجب القيام به اليوم يقتضي صيانة أداء هذه المدارس، وتحصينها من التشوهات الدينية الحركية التي طالت عدة مؤسسات دينية وتعليمية ومؤسسات أخرى"، يقول حمادة.
آفاق غامضة
لكن، رغم الإصلاح الذي قادته وزارة الأوقاف منذ سنة 2002، يلف الغموض مستقبل الكثير من خريجي مدارس التعليم العتيق، حسب الطالب صهيب نفسه.
"واقع الحال لم يجعل التعليم العتيق يقوم بدوره في ظل قدم المناهج المعتمدة في التدريس والتي لا تواكب العصر رغم التعديلات الشكلية"، يقول صهيب.
ويتابع "أغلب الخريجين في وضعية بطالة في ظل عدم توفر فرص الإدماج، ما عدا القلة الذين يتابعون دراساتهم العليا في الجامعات ودار الحديث الحسنية أو الذين تمكنوا من الهجرة إلى المشرق".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659