أطفال سوريون في مخيم الزعتري للاجئين- أرشيف
أطفال سوريون في مخيم الزعتري للاجئين- أرشيف

بقلم كوليت بهنا/ موقع الحرة

تسنت لي قبل فترة وجيزة مشاهدة فيديو لاستطلاع مصور أجري مع أطفال تتراوح أعمارهم بين سبع وتسع سنوات في الغوطة المحاصرة في ريف دمشق، نُقِل أنه أثار غضب بعض المنظمات النسوية، حيث تم توجيه سؤال للأطفال يتمحور حول صورة المرأة بنظرهم (كيف ترى المرأة)؟. جميع الأطفال بدون استثناء، صبيان وبنات، أجابوا أن المرأة هي التي تطبخ وتنظف فقط، وبعضهم اجتهد وأضاف أنها تربي الأطفال.

في تفسير إجابة موحدة كهذه، بداية عليك أن تراعي شرط المكان الذي يتحدثون منه، وهو بيئة محافظة لا دور للمرأة فيها سوى الإنجاب والطبخ والتنظيف، انخرط معظم رجال هذه المناطق في أتون الصراع المسلح، وبقي دور المرأة النمطي على حاله، والحمد لله أن هؤلاء الأطفال مازال لديهم أمهات لم يقتلن. كما أن الإجابة الموحدة لهؤلاء الأطفال توافقت مع ما يعيشونه حقيقة، إذ تشير أعمارهم إلى أن معظمهم ولدوا تحت الحصار المفروض على مناطقهم منذ سنوات، لم يخرجوا منها، ولم يروا العالم، ولا يعلمون ماذا يجري به من متغيرات. وليس المقصود بالعالم الواسع البعيد، بل إنهم لا يعلمون حتى كيف تغيرت حياة بعض أقاربهم في دمشق الأقرب إليهم، ولا تبعد عنهم سوى دقائق جغرافياً، حيث انخرطت نساء وفتيات كثيرات نزحن من مناطق محافظة جدا ومشابهة في الانغلاق البيئي في سوق العمل داخل العاصمة أو غيرها من المدن السورية، وامتهنّ مهناً أو شغلنّ وظائف تساعد نسبياً في سد رمق عائلاتهن الكبيرة، وتساهم في توفير مصاريف السكن الذي يحتاج تسديده الشهري اليوم إلى عمل أكثر من فرد داخل الأسرة. مما يشير إلى أهمية هذه النقلة في بنية التفكير الاجتماعية التي تسببت بها ظروف الحرب عبر السماح لهؤلاء النسوة أو الفتيات بالخروج من المنزل للعمل، مع احتفاظ هؤلاء النسوة -بالتأكيد- بمهماتهن النمطية في الطبخ والتنظيف حال عودتهن من عملهن، الأمر الذي أضاف لهن عبئا جديدا، لكن بعض الدردشات العابرة مع بعضهن أشارت إلى أنهن غير متذمرات، بل على العكس أبدين سروراً لما أتاحه لهن العمل خارج المنزل من اكتشافات واكتساب لمعرفيات جديدة عن العالم.

لم يقتصر هذا التغيير في بنية التفكير الاجتماعي على النساء فحسب، بل طال غالبية الشبان الذين خرجوا من بيئات محافظة وهربوا إلى دول اللجوء، حيث ألفى هؤلاء الشبان أنفسهم بين ليلة وضحاها يعملون بمهن كانوا يرفضون القبول بها في بلدانهم لأسباب اجتماعية. كما باتوا يعيشون في سكن مستقل من دون أم أو أخت تطبخ أو تنظف، واضطروا للقيام بهذه الواجبات بأنفسهم، وهم الذين اعتادوا الدلال والتمييز وخدمة أخواتهم البنات لهم كخادمات يسخرن عادة لصبيان الأسرة. اليوم، يتبارى هؤلاء الشبان باستعراض أطباق الطعام الذي يحضرونه بأنفسهم، ويتباهون عبر فيسبوك وغيره بعرض صور سكنهم الذي ينظفونه بأنفسهم، إضافة إلى أهم نقلة في بنية التفكير لدى البعض، وهي تقبلهم للمرأة كشريكة في الحياة، وهو أمر فرضه بدء اندماجهم في مجتمعات جديدة وصداقاتهم مع نساء غربيات محصّنات بنظم وقوانين صارمة، مع ملاحظة بدء تبني البعض لمفاهيم تتعلق بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وفي مقدمتها قضايا المرأة وحقوقها.

بالعودة لرأي أطفال في منطقة محافظة ومحاصرة، يؤكد الأمر هنا على أن أي بيئة محكمة الإغلاق بإرادة ذاتية أو قسرية، طبيعي ألا ينتج عنها إلا الفكر المحدود، وقبل الغضب والشروع بمهمة تغيير هذا الفكر، تقتضي الأولويات أن تسعى جاهدا لفتح النوافذ والأبواب وفك الحصار عنها وإخراج المحاصرين منها وإعادة تأهيلهم، بعدها ستسري الحياة وتتكفل بنفسها في عملية التغيير السلسة المطلوبة دون كثير عناء.

------------------------

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)                      

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.