بقلم عبد العالي زينون:
في أعقاب 23 شهرا من التحريات والتحقيقات الميدانية، قدمت "هيئة الإنصاف والمصالحة" في المغرب، في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2005، تقريرها الختامي إلى الملك محمد السادس.
درست الهيئة، التي تشكلت من 17 عضوا، أكثر من 5000 قضية لانتهاكات حقوق الإنسان، منذ استقلال المغرب سنة 1956 وحتى وفاة الملك الحسن الثاني في تموز/يوليو 1999، أي أكثر من 43 عاما.
شملت التحقيقات قضايا الوفيات والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب والاعتداء الجنسي، في الفترة التي تعرف إعلاميا في المغرب بـ"سنوات الرصاص".
لكن، مع انتهاء أشغال الهيئة وحلها، ظلت أرشيفات تحقيقاتها وشهادات الضحايا سرية في دواليب المجلس الوطني لحقوق الإنسان (رسمي) لأكثر من 12 سنة.
فقط في بداية الشهر الحالي، تسلمت مؤسسة الأرشيف الرسمية في البلاد (أرشيف المغرب) بعضا من وثائق هيئة الإنصاف والمصالحة.
أرشيف استثنائي
شملت الدفعة الأولى التي تسلمتها مؤسسة أرشيف المغرب أكثر من 17 ألف ملف من وثائق هيئة الإنصاف والمصالحة، حسب المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي كان يحتفظ بها.
جرى توزيع هذه الوثائق على 1239 علبة خاصة.
يتضمن هذا الأرشيف الوثائق والمستندات والشهادات ومحاضر الاستماع للضحايا وذوي الحقوق وشهود الاختبار، إضافة إلى دراسات حول سنوات الرصاص، يقول جامع بيضا مدير مؤسسة أرشيف المغرب في تصريح لموقع (ارفع صوتك).
بالنسبة لبيضا، تمثل هذه الخطوة في حد ذاتها "مبادرة استثنائية" و"قطيعة مع ما كان يسم هذا الأرشيف الاستثنائي من سرية وكتمان في السابق".
وسبق أن تعرضت صحيفة "الجريدة الأولى" للمحاكمة، في حزيران/يونيو 2008، بعد نشرها وثائق مسربة من أرشيف هيئة الإنصاف والمصالحة. وحكم القضاء بوقف نشر الوثائق.
ويكشف محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عن تسليم دفعة ثانية، وأخيرة، من وثائق هيئة الإنصاف والمصالحة لأرشيف المغرب خلال الأشهر القليلة المقبلة.
ويُتوقع أن توضع الوثائق تدريجيا رهن تصرف العموم، بمن فيهم ضحايا سنوات الرصاص، والصحافيون والمؤرخون والباحثون.
"سيتم ذلك بعد استيفاء المدة القانونية. بعض الملفات ستكون متاحة لأنها لا تتضمن معلومات حميمية أو أسرارا للدولة. الأمر سيتقرر بعد فرز الملفات وتصنيفها"، يؤكد جامع بيضا أرشيف المغرب.
ويسمح قانون الأرشيف للعموم بالاطلاع على الأرشيفات العامة عند انصرام أجل 30 سنة من تاريخ إنتاجها. لكن هناك استثناءات تتعلق بالحياة الخاصة للأفراد وأسرار الدولة، وترتفع فيها مدة السرية إلى 60 وحتى 100 سنة.
"لا يمكن الاطلاع على جميع الملفات إلا بعد انقضاء الأجل القانوني لها. قانون الأرشيف واضح في هذا المجال"، يقول مدير أرشيف المغرب الذي أنشئ قبل ست سنوات فقط بأمر ملكي.
سنوات الرصاص
سبق لأرشيف المغرب، قبل استلام وثائق هيئة الإنصاف والمصالحة، أن استلم في تموز/يوليو الماضي 4678 ملفا من أرشيف "هيئة التحكيم المستقلة للتعويض".
وتأسست هذه الهيئة في آب/أغسطس 1999، أي أقل من شهر واحد بعد تولي الملك محمد السادس الحكم، واتخذت قرارات لتعويض عدد من ضحايا سنوات الرصاص وعائلاتهم.
لاحقا، عوضتها هيئة الإنصاف والمصالحة التي منحت اختصاصات أوسع.
ويطلق وصف "سنوات الرصاص" في المغرب على انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة خلال عهد الملك الراحل الحسن الثاني (1961-1999).
وقالت هيئة الإنصاف والمصالحة، التي ترأسها الناشط اليساري الراحل إدريس بنزكري، إنها تلقت أكثر من 20 ألف طلب لدراسة انتهاكات لحقوق الإنسان خلال الفترة المذكورة.
إدريس بنزكري نفسه قضى 16 عاما في السجن، قبل أن يفرج عنه سنة 1991 في إطار عفو عام أصدره الملك.
وقدمت الهيئة توصيات للدولة المغربية لجبر الضرر الذي تعرض له الضحايا وتعويضهم. وقالت إن 173 شخصا ممن درست ملفاتهم توفوا في مراكز اعتقال سرية، مثل دار بريشة بمدينة تطوان (شمال)، ودار المقري في الرباط ودرب مولاي الشريف بمدينة الدار البيضاء.
لكنها ظلت عاجزة أمام ملفات كبرى، فلم تتمكن من تحقيق تقدم في الكشف عن مصير شخصيات سياسية بارزة، على رأسها زعيم المعارضة اليسارية المهدي بن بركة الذي اختفى في باريس سنة 1965.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659