الموصل - صالح عامر:
آثار الرصاص ظاهرة على جدران منزله. وفي الحديقة، يجلس ياسين محي وسط جيرانه، ويتحدث عن الوعي كمخرج لأزمة داعش.
ياسين عراقي تركماني شيعي عاد مؤخرا إلى مدينته تلعفر. لكن عودته ترافقت مع مخاوفه على مستقبل تلعفر وسكانها من مشاكل وفتن وأعمال انتقامية.
"كفى! لقد فقدنا الكثير من أقاربنا خلال السنوات الماضية بسبب أعمال الانتقام التي كانت تمولها جهات لا تريد الخير لنا. يجب الآن أن نتكاتف".
عودة السكان
لم تكن نسبة الدمار في مدينة تلعفر شمال غرب محافظة نينوى كبيرة مقارنة بمدينة الموصل، فمعارك تحريرها من تنظيم داعش التي انتهت في 27 آب/أغسطس لم تكن ضارية، لذلك شهدت عودة سريعة لسكانها الذين هربوا منها خلال السنوات الماضية.
ويحدد قائمقام تلعفر، عبد العال العبيدي، لموقع (ارفع صوتك) عدد العائلات العائدة حتى الآن إلى تلعفر بما يقارب 7000 عائلة، أي ما يعادل نحو 40 ألف شخص.
ويشير ذلك إلى أن نسبة العودة حتى الآن إلى المدينة نحو 20 في المئة.
وقد ضمّت تلعفر قبل سيطرة داعش عليها في حزيران/ يونيو من عام 2014 غالبية تركمانية نصفها سني والنصف الآخر شيعي، لكن مع سيطرة التنظيم على المدينة نزح منها التركمان الشيعة وقسم من السنّة أيضا، بينما بقيت نسبة من التركمان السنّة فيها.
وتعتبر مدينة تلعفر مركز قضاء تلعفر، أكبر أقضية العراق، وتحتل موقعاً استراتيجيا ولها أهمية تاريخية خاصة، فهي تقع على طريق بلاد الشام وفارس ومنطقة آسيا الصغرى، وعلى الحدود بين العراق وسورية. وتبعد عن مركز مدينة الموصل بنحو 80 كيلومتراً.
وقد بلغ عدد سكان المدينة وبحسب الإحصائيات الرسمية قبل سيطرة داعش عليها عام 2014 نحو 225 ألف نسمة غالبيتهم من التركمان، لكن المدينة كانت خالية بالكامل من سكانها عندما استعادة القوات العراقية السيطرة عليها الصيف الماضي، وتشهد المدينة منذ نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وحتى الآن عودة تدريجية لسكانها.
مخاوف من الطائفية
أزهر شاويس، مواطن تركماني سني يمتلك متجراً في سوق تلعفر، عاد خلال الأسابيع الماضية إلى مدينته التي كانت خالية من سكانها بالكامل سوى البعض من عوائل مسلحي التنظيم وقادته المنتميين إلى تلعفر وعدد من عوائل المسلحين الأجانب.
يترقب شاويس يوميا عودة السكان إلى تلعفر من خلال حركة السوق وعدد المتواجدين فيه. ويعتقد أن سكان تلعفر من السنة والشيعة ذاقوا الأمرين خلال السنوات الماضية، لذلك سيتكاتفون خلال المرحلة القادمة لمنع تكرار المأساة.
ورغم مخاوف سكان المدينة من المشاكل الأمنية والصراعات الطائفية، الا أن مدير شرطة تلعفر العقيد فاضل عباس جاسم، الذي يتجول في شوارع المدينة بدوريته متابعا حركة الأهالي، يؤكد لموقع (ارفع صوتك) "المدينة هادئة ومستقرة أمنيا، وهناك تعاون ممتاز من قبل السكان مع الأجهزة الأمنية".
حاضنة للمتشددين الإسلاميين
منذ 2003، استفادت الجماعات الإسلامية المتشددة المسلحة من بيئة تلعفر التي كانت تحتوي على متشددين كإحدى حواضنها الرئيسية في العراق، فكانت هذه المدينة على مدى السنوات الماضية معقلاً رئيسيا لهذه الجماعات كتنظيم القاعدة وأنصار السنة والنقشبنديين وغيرهم من الجماعات المسلحة المناوئة للحكومة في بغداد. وشهدت أيضا سلسلة من عمليات العنف الطائفي بين السنة والشيعة إضافة الى التفجيرات والهجمات المسلحة التي تعرضت لها هذه المدينة خلال الأعوام الماضية.
وسقطت في حزيران/ يونيو من عام 2014 بيد تنظيم داعش الذي اتخذها كأحد أهم معاقله الرئيسية في العراق بعد الموصل، خصوصا أن عدداً كبيراً من قادة داعش البارزين كانوا من سكان تلعفر، وانتقل إليها قسم من قادة التنظيم من بينهم قادة أجانب وعوائلهم بعد دخول القوات العراقية إلى الموصل نهاية عام 2016.
ومع انطلاق عمليات تحرير الموصل، تحركت قطعات من القوات العراقية من ضمنها فصائل من الحشد الشعبي غربا باتجاه مدينة تلعفر وفرضت عليها طوقا لكنها لم تدخل المدينة وأجلت عملية اقتحامها الى بعد انتهاء عمليات تحرير الموصل.
وبعد شهر من إعلان القوات العراقية تحرير الموصل، بدأت تستعد لاقتحام تلعفر بإسناد من طيران التحالف الدولي، وتمكنت خلال أسبوع من المعارك التي لم يبدِ فيها داعش تلك المقاومة التي أبداها في الموصل، من دخول المدينة وتحريرها بسرعة، فيما انسحب مسلحو داعش إلى داخل العياضية وهرب من تبقى منهم إلى داخل الأراضي السورية، وسلم قسم من عائلاتهم أنفسهم إلى القوات الكردية التي كانت متواجدة قرب العياضية وإلى قوات الأمن العراقية.
معوقات العودة
عودة سكان تلعفر اليها بدأت بعد بدء العام الدراسي الحالي. وهو ما أخر عودة بعض السكان على حسب قول العبيدي. "أهالي تلعفر مرتبطون بمدارس أطفالهم في المناطق التي نزحوا إليها، إضافة إلى ارتباط الكوادر التدريسية أيضا بالمدارس في تلك المناطق".
ويحدد العبيدي كذلك أبرز المعوقات التي تقف في طريق العودة الكاملة لسكان تلعفر إليها، مشيرا إلى أن "الخدمات ليس بالمستوى المطلوب".
"هناك تخوف من وجود العبوات الناسفة والمتفجرات والمنازل المفخخة، فالمدينة ليست مؤمنة بعد من المتفجرات".
آثار النزوح الايجابية
المخاوف الأمنية والمخاوف الطائفية لا تدفع الجميع إلى التشاؤم، فالبعض يرى أن تجربة النزوح ستؤثر بشكل إيجابي على العائدين إلى تلعفر. نشوان ياسر، أحد سكان تلعفر النازحين الذين عادوا إلى مدينتهم، يقول إن سكان تلعفر أصبحوا منفتحين على ثقافات عدة.
ويوضح لموقع (ارفع صوتك) "سكان تلعفر عاشوا خلال السنوات الماضية في مدن عراقية متنوعة الثقافات، آخرون منهم كانوا نازحين في دول المنطقة، فاكتسبوا ثقافة جديدة لذلك هم يحلمون اليوم فكرا إيجابيا وتعرفوا على ثقافة قبول الآخر"، مستبعداً حدوث مشاكل طائفية مستقبلاً.
بينما اختار الشاعر محمد مش أوغلو أحد شعراء تلعفر الشعر وسيلة للتقارب بين سكان مدينته ولنبذ العنف. ويقول لموقع (ارفع صوتك) "قصائدي توضح للسكان ما كانوا عليه من تعايش قبل أكثر من عقد ونصف، وتحفزهم على التكاتف في المرحلة القادمة".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659