الفنانة العراقية عفيفة لعيبي وفي الإطار المخرج قاسم عبد/إرفع صوتك
الفنانة العراقية عفيفة لعيبي وفي الإطار المخرج قاسم عبد/إرفع صوتك

علي عبد الأمير

في فيلمه الوثائقي الجديد "مرايا الشتات" يعود المخرج العراقي قاسم عبد إلى فيلمه الأول "وسط حقول الذرة الغريبة" 1991، حيث سبعة فنانيين عراقيين يعيشون في إيطاليا تجمعهم مشاعر معارضة للطغيان والقسوة في بلادهم.

​​

​​

والعودة النابهة العميقة للمخرج في الفيلم الجديد، هي في قصد تتبع مصائر الفنانين السبعة ذاتهم: أين هم اليوم (بعد ما يزيد عن ربع قرن من الفيلم الأول)؟ ما الذي انتهت إليه تجاربهم؟ كيف يرون المنفى اليوم؟ بل السؤال الأكثر أهمية: ما صورة العراق عندهم؟ وهل بات المنفى وطنا من نوع ما؟

يقول المخرج قاسم عبد عن فيلمه "وسط حقول الذرة الغريبة" وهو فيلمه الأول "صورته بكاميرا 16ملم استعرتها من صديق يعيش في موسكو. أما تكاليف الفيلم الخام والطبع والتحميض فقد دفعها الفنانون الذين ظهروا في الفيلم"، لكن هذا لم يفت في عضد المخرج ولا التشكيليين السبعة: جبر علوان، عفيفة لعيبي، كاظم الداخل، علي عساف، فؤاد عزيز، رسمي الخفاجي وبالدين أحمد، فظهروا جميعا كغرباء رائعين في حقول الذرة العجيبة تلك، حتى في أكثر لحظات المنفى بردا وإحساسا بالقسوة والاغتراب، فثمة التوق والشغف والتحدي والاصرار على الحرية.

في فيلمه الجديد، يتتبع المخرج قاسم عبد، أولئك "الغرباء" الذين صورهم قبل نحو ثلاثين عاما، حيث التغييرات المكانية والاجتماعية، فلم تعد إيطاليا تجمعهم، فثمة هولندا (عفيفة لعيبي و بالدين أحمد)، كذلك هناك السويد (كاظم الداخل)، وعوضا عن نبض التوق والشغف والتحدي في الحديث والعلاقة مع العراق، ثمة اليأس والإحساس بالمرارة ونفض اليد من البلاد وتحولها إلى موعد دائم مع الخيبة.

هي ليست مجرد سبعة مصائر في الحياة، ولا سبعة أساليب في الفن والثقافة، بل هي سبعة وجوه عن العراق في 40 عاما. وهذه موضوعة تكاد تكون أساسية في عمل المخرج قاسم عبد، فهو يقول عن فيلمه "حياة ما بعد السقوط" 2008: "عندما عدت إلى العراق بعد ثلاثين عاماً من الغياب، وجدت ثلاثة أجيال من عائلتي بأعمار ومشارب وأمزجة مختلفة، وكل منها احتمال شخصية رئيسية في أي عمل فني. لم تكن لديّ فكرة واضحة عن إخراج فيلم أو كتابة نص ما".

ومثلما كانت المفارقة حاضرة في فيلم "ما بعد السقوط" حيث "العائلة كانت متماسكة في ظل الحكم الديكتاتوري وبدأت بالتفكك بعد الاحتلال"، فان المفارقة ذاتها حاضرة ولكن من نوع آخر في الفيلم الجديد، فالتدفق والأمل حاضران في المنفى والديكتاتورية بينما يخفتان حد الاستسلام في الديمقراطية!

في "مرايا الشتات" بدا أن ربع قرن يعني الكثير عند المخرج قاسم عبد، كحصيلة زمنية وفكرية وخبرة مهنية، حيث الإيقاع محكم رغم الانتقالات الشخصية والمكانية المتعددة ورغم الحكايات المختلف والأمزجة والأساليب الأكثر اختلافا، مثلما بدت فيه معادلة من نوع فريد، فكلما كان الموضوع يزداد قسوةً وألماً،  كان التعبير يزداد رقةً وشفافيةً، وهو ليس بالغريب عن موقف مبدعين عراقيين كثر حيال مآسي بلادهم، فالفكرة ذاتها كتبتها في عرض لأعمال التشكيلي العراقي علي طالب، فهي تزداد رقة وغنى جمالياً كلما عصف الوجع ببلاده أكثر.

وكان قاسم عبد أخرج عام 1999، فيلمه "ناجي العلي، فنان ذو رؤيا"، حاول من خلاله أن يجيب إجابة عن سؤال: لماذا قتل ناجي العلي؟ ثم فيلمه التالي "حاجز سوردا" 2005 وجاء في الإطار الفلسطيني أيضاً، وقد استغرق تصويره ثلاث سنوات رغم أنه لا يتجاوز ثلاثين دقيقة. الفيلم عن نقطة تفتيش إسرائيلية على طريق يربط رام الله بـ 50 قرية فلسطينية.

بعد عام 2003 عاد قاسم عبد إلى العراق. وخلال الأشهر الأولى أسهم مع المخرجة والمنتجة ميسون الباجه جي في افتتاح كلية مستقلة لتدريس السينما في بغداد، بإمكانات بسيطة. وأقام ثلاث دورات تدريبية تخرّج في كل منها 20 طالباً، كما أنتج 11 فيلماً وثائقياً قصيراً، ثمّ اضطر إلى مغادرة العراق عام 2006 بعد تردّي الحالة الأمنية. لكنّه خلال ذلك كان يجمع المادة الأساسية لفيلمه "حياة ما بعد السقوط"، الفائز لاحقا بجائزة أفضل فيلم في "مهرجان ميونيخ الدولي للأفلام الوثائقية".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

مواضيع ذات صلة:

العراق

بقلم علي عبد الأمير:

إذا ما اعتمدنا التطبيق الحقيقي للثقافة بوصفها أنساق فكرية وحياتية في القانون والسياسة والسلوك الاجتماعي والعلاقة مع الدولة، فثمة جذور ثقافية للإرهاب في العراق، باتت معلنة منذ أكثر من نصف قرن.

ثقافة الإنقلابات العسكرية

من أبرز الجذور الحقيقية للإرهاب في العراق، مثلتها ثقافة الانقلابات العسكرية التي فتحت باب جهنم الأرضية على المجتمع العراقي، لجهة "تشريعها" عمليات تصفية الخصوم دمويا، وتخريب الدولة لصالح الأحزاب أولا ثم الأشخاص- الزعماء تاليا.

اقرأ أيضا:

حين يلتقي المتطرفون من الشيعة والسنة

عنف الأحزاب والفكر السياسي

شكلت الأحزاب العراقية، العربية والكردية، العلمانية منها والدينية التي تؤمن باستخدم السلاح لتحقيق أهدافها، جذرا حقيقيا للإرهاب وتدريبا اجتماعيا عليه وصولا إلى القبول باستخدام العنف تحت مسميات شتى. واللافت أن ما أصاب الدولة العراقية كمقدرات ووجود من ثقافة تلك الأحزاب لهو أعظم بكثير مما أصاب الأنظمة العسكرية الحاكمة للبلاد منذ العام 1958. وبتحول تلك الأحزاب إلى الحكم أو حين كانت قريبة منه، تحول العنف من دعوة إلى التغيير، إلى ثقافة أصيلة في فرض الحكم والحفاظ عليه من قبل هجمات الخصوم الذين كانوا "أخوة بالدم" مع الحاكمين.

إرهاب الدولة

تمكن نظام البعث وخلال عقود حكمه (1968-2003) من جعل ثقافة "إرهاب الدولة" نهجا سياسيا ثابتا، وهو ما جعل العنف والإرهاب مفردتين عادتين في مجتمع راح أبناؤه ضحية حروب دخلية وخارجية كانت تطبيقا لتلك الثقافة. واللافت أن تلك الثقافة صارت بطريقة أو بأخرى نهج حكم شبه ثابت في العراق، حد أن "النظام الديمقراطي" لما بعد 2003، لم يتردد في استخدام العنف بوسائل وأشكال عدة ضد خصومه، وهو نهج وفّر أرضية للقبول بالتطرف أولا ثم الانخراط في المجموعات الإرهابية ثانيا.

استخدام الدين في السياسة

لا دين يوحد العراقيين، بل هو دين طائفي، لذا كان الدين في السياسة يعني اعتماد الخطاب الطائفي، وهو ما يشكل موقدا لنار الاحتراب الأهلي وهو ما حصل تماما بعد العام 2003 حين تم إسقاط الدولة العراقية بالكامل، بعد أن أضعفها النظام الدكتاتوري وجعلها مجرد عربة تتولى خدمة الطاغية ووجوده في السلطة. واستخدام الدين في السياسة كان ثقافة إرهابية بامتياز، ليصبح المقدس الطائفي غطاء حتى للجرائم التي تقترفها العصابات الصغيرة.

اقرأ أيضا:

لقاء الدين بالسياسة: العنف سيد الموقف التاريخي

وجاء استخدام الدين في السياسة، قبولا وشرعنة لإرهاب استخدمه جميع المتخاصمين المتصارعين على السلطة في العراق، فالفكر التكفيري وجد في السنة وبقايا البعث ممره الدموي إلى العراق، وهو ما أدى إلى التطرف الشيعي الذي تمثله الأحزاب المؤمنة باستخدام السلاح والعنف لتنفيذ أهدافها، تحت ذريعة حماية الطائفة.

الحل في دولة حيوية

من دون اقتلاع تلك الجذور الثقافية، فلا نهاية قريبة للإرهاب وأسسه الفكرية – الدينية والاجتماعية حتى مع حتمية نهايته عسكريا. ومن يقتلع تلك الجذور هو دولة عادلة فوق كل قانون وجماعة، ولكن هل هناك من يؤمن بقوة الدولة ومؤسساتها في العراق؟

ومع وجود قوى حتى ممن هي أساسية في الحكم منذ العام 2003 لا تقر بسلطة الدولة، ولا بقانونها العادل، ومع استمرار تلك القوى السياسية والدينية و الاجتماعية في نفوذها على حساب الدولة فلا نهاية حقيقية للإرهاب في العراق.
 
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659