عضو من منظمة "روج" لإزالة الألغام يحمل لغمين أزيلت من إحدى كنائس الرقة/ وكالة الصحافة الفرنسية
عضو من منظمة "روج" لإزالة الألغام يحمل لغمين أزيلت من إحدى كنائس الرقة/ وكالة الصحافة الفرنسية

المطر يقتل في الرقة. سكان هذه المدينة الصحراوية، التي عاشت قبل سنوات قليلة موجة جفاف هي الأسوأ منذ 1958، يخافون المطر.

فمع المطر، تأتي الانفجارات.

في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر هطل مطر شديد على المدينة المحررة حديثا من تنظيم داعش. تلته أصوات انفجارات متتالية في مناطق متفرقة.

أخافت الانفجارات النازحين العائدين، وفاجأت عناصر قوات سورية الديمقراطية.

يقول أسامة عبد الرحمن، وهو من حي البوسرايا القريب من السور الأثري للرقة، إن السكان ظنوا أن داعش عاد للمدينة، خاصة بعد شروع مقاتلي "قسد" في إطلاق الرصاص في الهواء.

"لم ندرك ما يحدث.. انفجارات مجهولة، ورشقات رصاص.. دب الرعب في قلوبنا "، يقول أسامة.

الألغام التي تنفجر بسبب المطر هي "ألغام أسطوانية". وهي عبوات ناسفة بحجم قنينة الغاز

كانت الأصوات أشبه بانفجارات مفخخات أو هجمات انتحارية. لاحقا، اتضح أنها "ألغام أسطوانية" زرعها تنظيم داعش خلال معركة الرقة.

حسب خبات محمد، مدير التوعية في منظمة "روج"، وهي إحدى منظمات إزالة الألغام في الرقة، تقدر كمية الألغام التي أزيلت لحد الآن بـ13 ألف لغم، أغلبها مصنوع محليا، بالإضافة إلى بقايا الصواريخ والقذائف التي لم تنفجر.

ألغام أسطوانية

يقول خبات محمد إن الألغام التي تنفجر بسبب المطر هي "ألغام أسطوانية". وهي عبوات ناسفة بحجم قنينة الغاز المنزلية. لها الشكل والوزن نفسه تقريبا.

تكون هذه الألغام مزودة بصاعق وأسلاك كهربائية. يحدث الانفجار بعد وصل الأسلاك الكهربائية (تكوين دارة كهربائية)، وهو ما يتسبب فيه المطر.

يقول خبات إن الأسلاك في هذه الألغام لا تكون معزولة عن بعضها بشكل جيد. "بنزول كمية كبيرة من المطر على أي من الأسلاك يصبح لدينا دارة كهربائية، فينتج انفجار".

ألغام أسطوانية مرمية في حفرة بمدينة الرقة/ ارفع صوتك

​​على عكس أغلب الألغام، لا تدفن الألغام الاسطوانية تحت الأرض عادة. تطرح بشكل مموه بجانب الطرقات والأشجار. يؤدي الدوس على السلك المربوط بها إلى الانفجار.

لا يعرف عدد الضحايا الذين تسببت الألغام الأسطوانية بمقتلهم على وجه التحديد. لكن الألغام، بشكل عام، قتلت ما يزيد على 60 مدنياً بينهم نحو 17 طفلاً، منذ استعادة الرقة، حسبما نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان.

الحركة تقتل

إضافة إلى المطر، مجرد الحركة يقتل في الرقة، فقد زرع تنظيم داعش ألغام استشعارية تنفجر بوجود حركة بالقرب منها.

يقول مدير التوعية في "روج" إنه يصعب تمييز هذه الألغام لتشابهها الشديد مع الأحجار، ويصفها بأنها "أخطر ما زرعه داعش".

هناك أيضا الألغام الاتجاهية التي بل تنفجر باتجاه الضحية بشكل محدد

​​"لا تستطيع تمييز اللغم الحجري عن الحجر العادي. يضعون عليه جبصين ويلونونه بحسب الطبيعة حوله. ينفجر هذا اللغم الاستشعاري عن طريق قطع الموجة الليزرية (غير المرئية) التي تخرج منه"، يوضح خبات.

صبغ داعش الألغام الاستشعارية لتشبه اللون الطبيعي للحجر. تنفجر بمجرد المرور قربها/ارفع صوتك

​​

وهناك أيضا الألغام الاتجاهية، وهي لا تسبب انفجارا شاسع النطاق، بل تنفجر باتجاه الضحية بشكل محدد. وهي ألغام مصنوعة محلية، وتطمر تحت التراب.

يقول خبات إن "ألغام داعش جميعها تقتل"، ولا يوجد بينها ألغام تتسبب في الإصابة بجروح أو بتر أطراف.

 "إذا وضعنا ألغام داعش وفقا للمعاير الدولية، فهي ألغام مضادة للعربات تستهدف الإنسان"، يقول مدير التوعية في "روج"، مؤكدا أن عددها في الرقة بالآلاف.

وتعمل في الرقة وريفها ثلاث شركات لإزالة الألغام، وهي "تيترا"، و"ماك" وهما شركتان دوليتان، إضافة منظمة محلية هي “روج". ويعمل في المجل أيضا مختصون في إزالة الألغام من قوات سورية الديمقراطية.

رغم ذلك، يقول خبات إنه لا يستطيع أن يحدد تاريخا معينا للانتهاء من إزالة الألغام في الرقة.

"نعمل بوتيرة متسارعة وبأقصى طاقتنا، لكن العمل في الألغام حساس جداً، ولا يمكن أن نضع موعدا محددا. نستطيع تقليل الخطر ضمن سنتين".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

آثار الدمار في مدينة الرقة السورية/وكالة الصحافة الفرنسية
آثار الدمار في مدينة الرقة السورية/وكالة الصحافة الفرنسية

في شارع الوادي وسط مدينة الرقة، شمال شرق سورية، عاد ناصر حميدي إلى بيته الذي غادره قبل أشهر.

"لم أعرف بيتي.. في الحي الذي عشت فيه 40 عاما، لم أستطع التمييز بين الشارع وبيتي". يقول ناصر.

واستعادت قوات سورية الديمقراطية مدينة الرقة من يد تنظيم داعش بعد أربعة أشهر من المعارك الضارية.

تقول الأمم المتحدة إن أربعة أخماس الرقة غير قابلة للسكن. وهو ما يؤكده مسؤول محلي في مجلس الرقة المدني، قائلا إن الدمار في مركز المدينة قارب حتى 90 في المئة.

"لم أعرف بيتي.. في الحي الذي عشت فيه 40 عاما، لم أستطع التمييز بين الشارع وبيتي". يقول ناصر

​​

وبعد شهرين من انتهاء المعارك، ما زال أغلب سكان الرقة في المخيمات وفي مدن  الطبقة وتل أبيض القريبة بسب الألغام والدمار الهائل.

"البنية التحتية شبه مدمرة، وتحتاج لجهود دولية للعودة للخدمة"، يقول الصحفي السوري كمال شيخو.

لجنة للإعمار

شكل مجلس الرقة المدني لجنة لإعادة الإعمار تتمتع بالاستقلالية في العمل والميزانية. لكن حجم الدمار أكبر بكثير من إمكانيات اللجنة التي تعاني مشاكل في التمويل.

البناء يتأخر لأن المنح تتأخر، يبرر رئيس اللجنة إبراهيم الحسن.

ويوضح أن أول دعم وصل للجنة جاء من وزارة الدفاع الأميركية، وهو عبارة عن 50 آلية للمساعدة في إزالة الأنقاض.

وتدعم وزارة الخارجية الأميركية لجنة إعمار الرقة ضمن مشروع "برنامج الفرات".

وحسب الحسن، تضع لجنة الإعمار إزالة الألغام على رأس قائمة أولوياتها، قبل أن تنتقل إلى رفع الأنقاض، وتأهيل شبكة المياه والصرف الصحي، ثم الكهرباء.

جثث في الشوارع

"أينما ذهبت تشتم رائحة الجثث، سواء من المدنيين أو من عناصر داعش. لم تستطع الفرق الطبية إجلاء أغلبهم بسبب الركام والألغام" يقول الصحافي كمال شيخو.

وشكلت لجنة إعادة الإعمار "فريق طوارئ" لانتشال الجثث من تحت الأنقاض وتسليمها للمجلس المدني.

ينتظر أن تفوق كلفة إعمار الرقة مليار دولار، حسب الحسن الذي يتوقع عودة سكان المدينة خلال ستة أشهر.

​​ويسلم المجلس الجثث لذويها. وإذا لم تكن معروفة، يوضع عليها رقم خاص وتدفن، وفق ما يوضح رئيس اللجنة.

وأمن مجلس الرقة المدني لحد الساعة أطراف المدينة. ورجعت نسبة كبيرة من سكان أحياء المشلب والجزرة والرميلة والأحياء الغربية والجنوبية.

وصلت نسبة الدمار في هذه الأحياء 30 في المئة فقط.

مليار دولار

رغم الدمار، عاد عدد من الأهالي إلى مركز المدينة. رمموا بيوتهم على نفقتهم الخاصة، وافتتح بعضهم محلات لبيع الخضر واللحوم.

في المقابل، تنتظر البقية تعويضات للبدء في الترميم. ويقول رئيس لجنة الإعمار إن اللجنة تعول كثيرا على الأمم المتحدة. لكن هذه الأخيرة لم تتخذ أية خطوة بعد.

وينتظر أن تفوق كلفة إعمار الرقة مليار دولار، حسب الحسن الذي يتوقع عودة سكان المدينة خلال ستة أشهر. وهي المدة الضرورية لإزالة الألغام.

لكنه يقول إن الكثير لن يجدوا بيوتا تأويهم. "من سيعود يجب أن يكون قادرا على تحمل نفقة إعمار بيته بيده".

بعد رؤيته لبيته المهدم، عاد ناصر إلى مدينة الطبقة للعيش هناك مثل أغلب أهالي الرقة.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 001202277365