تنظيم إسلامي سياسي سني يتحالف مع إيران الشيعية ويضم بين صفوفه أعضاء يعتنقون الفكر السلفي. تركيبة تبدو متناقضة وغير متجانسة تماما، لكنها تجتمع في حركة حماس الفلسطينية.
فكيف تمكنت الحركة، التي تسيطر على قطاع غزة، من تحقيقها؟
عودة إلى حضن طهران
خلال الأشهر القليلة الماضية، اتخذت حركة حماس تحركات تعكس عودة العلاقات مع إيران إلى سابق عهدها.
في تشرين الأول/أكتوبر 2017، انتخب مجلس الشورى في الحركة القيادي صالح العاروري، المعروف بعلاقاته الجيدة مع إيران، نائبا لرئيس مكتبها السياسي.
قاد العاروري، بعد أقل من أسبوعين من انتخابه، وفدا من حماس لزيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران، والتقى بمسؤولين كبار في مؤسسات الدولة الإيرانية، خاصة المجلس الأعلى للأمن القومي.
في بداية كانون الأول/ديسمبر، أجرى قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني اتصالا مع قادة الجناح العسكري في حماس لتأكيد استعداد بلاده لتقديم الدعم للحركة ردا على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل.
يفسر الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية قدرة حماس على إيجاد التوازن بين ارتباطاتها الإيرانية ووجود تيار سلفي داخلها بكون بنية الحركة الأساسية شبيهة بجماعة الإخوان المسلمين التي تتعايش داخلها توجهات مختلفة: توجه سلفي قطبي متأثر بتراث سيد قطب وتوجه إصلاحي متأثر بأفكار المرشد العام السابق حسن الهضيبي.
سلفية حماس سياسية
يؤكد أبو هنية أن السلفية التي تنتهجها بعض التيارات في حماس سياسية أكثر منها سلفية دينية. فهي لا تستند على مرتكزات الهوية كالسلفية الوهابية "التي تنظر إلى إيران باعتبارها مبتدعة أو كافرة". وهو ما لا يتسبب في رد فعل رافض تماما لإيران.
جناح حماس السلفي، حسب الباحث الأردني، أقرب للسلفية القطبية، ومختلف عن السلفية التقليدية (سلفية الألباني مثلا)، أو السلفية الوهابية.
ويتابع أبو هنية "الإخوان بكل أطيافهم، سواء كانوا قطبيين أو هضيبيين، أي إصلاحيين، أو راديكاليين متشددين، لهم علاقات قديمة مع إيران. وبالتالي لا توجد هناك مشكلة كبيرة من الناحية المذهبية".
الحرب ضد السلفية الجهادية
لم تتسبب العلاقات مع إيران لحماس بمشاكل مع التيار السلفي داخلها، لكنها عقدت علاقات الحركة مع التنظيمات السلفية الأخرى، خاصة الجهادية.
في شريط فيديو، صدر الأسبوع الماضي، وصف تنظيم داعش في ولاية سيناء حركة حماس بـ"المرتدة" وانتقد علاقاتها مع إيران (شيعة اثنا عشرية) والنظام السوري (شيعة علوية).
وتشهد علاقة حماس بالتيارات السلفية في غزة توترا متواصلا منذ سيطرتها على القطاع عام 2006.
في سنة 2008، تحول التوتر إلى مواجهات مسلحة مع جماعة جهادية تزعمها فلسطيني يدعى ممتاز دغمش. وفي 2009 تكررت المواجهات مع جماعة أبو نور المقدسي.
ويلفت أبو هنية إلى أن منتمين لكتائب عز الدين القسام من ذوي التوجهات السلفية غادروا الحركة والتحقوا بتنظيمات سلفية، خاصة داعش في ولاية سيناء.
وفي شريط داعش الأخير، ظهر عضو سابق في القسام وهو ينفذ حكم الإعدام بحق شخص آخر بتهمة تهريب السلاح إلى حماس.
علاقة دائمة مع إيران
شاب نوع من الفتور علاقة حماس بإيران في السنوات القليلة الماضية، بسبب الأحداث في سورية. وانتقلت قيادات الحركة من دمشق إلى الدوحة في قطر.
رغم هذا، لم تصل العلاقة بين الطرفين إلى القطيعة.
واليوم، يرجح أن تعود العلاقات مع إيران أمتن من جديد، خاصة مع تواري عدد من القيادات التي انتقلت إلى قطر إلى الظل، على رأسها الرئيس السابق للمكتب السياسي خالد مشعل.
في المقابل، تصدرت قيادة جديدة المشهد يقودها رموز من الجناح العسكري مثل يحيى السنوار (رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة) وصالح العاروري نائب المكتب السياسي.
وفي بداية تشرين الثاني/نوفمبر، عقد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لقاء مع صالح العاروري.
"أصبح هناك تفضيل للقيادة من الداخل وليس من الخارج. وأصبحت القسام تتحكم بشكل مباشر في قيادة الحركة وليس الجناح السياسي" يقول أبو هنية.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر أيضا، أعلنت حماس رفضها تصنيف حزب الله حركة إرهابية.
مع الريح..
يرى المحلل السياسي الأردني عامر سبايلة أن حماس حركة براغماتية "تبحث دائماً عن البقاء".
ويقول إن تياراتها المتعددة تسمح لها بالحفاظ على علاقتها بمختلف الأطراف. ففي حين تأثرت علاقة "التيار الخارجي" الذي يمثله خالد مشعل بطهران، حافظ تيار القيادي محمود الزهار على علاقته معها.
ويوجد أيضا، وفق سبايلة، منتمون لحماس متأثرون بالأفكار السلفية، انضم بعضهم إلى التنظيمات الجهادية خاصة داعش في سيناء.
وحسب المحلل الأردني، تصب تلك التيارات بالنهاية في فكرة وجودية حماس التي تستخدمها "كورقة سياسية براغماتية تميل حيثما الريح تميل".
ويؤكد سبايلة أنه عندما يشعر قادة الحركة بحاجتهم إلى إيران تتصدر المشهد وجوه قريبة من إيران، وعندما يشعرون بأنهم مستفيدون من العلاقة مع قطر وتركيا يتصدر المشهد فريق آخر.
"في النهاية أعتقد أن هذه التناقضات هي طريقة أداء بالنسبة لحماس مرتبطة بفكرة انتهازية وبراغماتية الإسلام السياسي"، يقول الباحث الأردني.
الباحث الفلسطيني، المنحدر من قطاع غزة، رائد العطل يفسر غياب أي اعتراضات من سلفيي حماس على توجهات قياداتهم بالقول أنه حسب الطريقة التنظيمية داخل الحركة، يتبنى الأعضاء قرار القيادة غالبا سواء في كتائب القسام أو في حماس نفسها.
ويؤكد "إذا اتجهت القيادة إلى إيران سيكون الأعضاء مطمئنين لهذه العلاقة. وإذا اتجهت لمعاداة إيران ستنقلب آراء الأعضاء مباشرة"!
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659