يقول مسؤول محلي في إحدى شركات إزالة الألغام بالرقة إن كمية الألغام التي أزيلت لحد الساعة تجاوزت 13 ألف لغم.
يقول مسؤول محلي في إحدى شركات إزالة الألغام بالرقة إن كمية الألغام التي أزيلت لحد الساعة تجاوزت 13 ألف لغم.

في الرقة، رعاة الأغنام "خبراء" ألغام.

ينتقل محمد من منزل إلى آخر في المدينة المحررة من تنظيم داعش حديثا. في اليد قاطعة أسلاك كهربائية، وعصا ينبش بها داخل الغرف باحثا عن الألغام.

لا يعمل الشاب الريفي لصالح أية شركة أو منظمة لإزالة الألغام. هو سيد نفسه، يتفاوض على الثمن، وعندما يقبل يكون أول من يدخل البيت قبل أن يعطي لأصحابه الضوء الأخضر أن الوضع آمن.

لا يختلف لباسه في شيء عن غالب أهل الرقة: كلابية وشماغ. هو نفس لباسه القديم في الحقيقة، عندما كان راعي غنم في قرية تل السمن شمال المدينة. عصاه التي يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، صارت له فيها مآرب أخرى.

يعرف محمد تماما أن الغلطة الأولى في إزالة الألغام هي الأخيرة، لكن لا شيء يقف أمام الـ50 ألف ليرة سورية (قرابة 100 دولار) التي سيتقاضاها.

يقول مسؤول محلي في إحدى شركات إزالة الألغام في الرقة إن كمية الألغام التي أزيلت لحد الساعة في المدينة تتجاوز 13 ألف لغم، دون احتساب بقايا الصواريخ والقذائف التي لم تنفجر.

وتعمل في الرقة ثلاث شركات لإزالة الألغام، هي "تيترا" و"ماك" الدوليتان، ومنظمة محلية اسمها “روج". ويشارك في العمليات مختصون من قوات سورية الديمقراطية.

كان محمد سيتمنى لو بقي راعيا. الأغنام على كل حال لن تقتله كما فعلت الألغام.

قُتل الشاب الريفي في انفجار لغم خادع. يقول خبات محمد مدير التوعية في منظمة "روج" الذي يروي قصة الشاب الريفي، إن محمد فكك لغما ورفعه من مكانه، لينفجر آخر يوجد تحته مباشرة. ويلجأ داعش إلى هذه الحيلة في الكثير من الحالات، حيث ينفجر لغم ثان بمجرد تحريك أو إزالة اللغم الأساسي من مكانه.

"بعد قطع الأسلاك، نربط اللغم بخيط ونبتعد مسافة 150 مترا خوفا من أن يكون مفخخا"، يقول خبات موضحا الإجراء الاحترازي الذي يلجأ إليه المتخصصون في إزالة الألغام.

ما فعله محمد هو أنه رفع اللغم مباشرة.

كيبتاجون وترامادول

تعمل منظمات إزالة الألغام في الرقة ببطء شديد، ما يدفع سكان المدينة الذين ما زال أغلبهم في مخيمات النازحين إلى الاستعانة بأفراد يمتهنون إزالة الألغام.

عاد سليم إلى الرقة بعد 10 أيام من تحريرها في 20 تشرين الأول/ أكتوبر. يقول إنه دفع 50 ألف ليرة لمتطوع من قوات سورية الديمقراطية لتفتيش منزله، و25 ألفا أخرى لتفكيك لغم تم اكتشافه.

يقع بيت سليم وسط مدينة الرقة. وكان سينتظر طويلا، ربما لسنتين، قبل أن يصله دوره، خاصة أن منظمات إزالة الألغام بدأت عملياتها من أطراف المدينة.

يقول الشاب السوري، 35 عاما، إن الكثيرين ممن يغامرون بحياتهم لإزالة الألغام عاطلون عن العمل ويتعاطون حبوبا مخدرة مثل ترامدول وكيبتاجون. بعضهم "يتطوع" أحيانا لتفتيش بيوت الغائبين وسرقتها.

أصبحت مشاهدة “خبراء" إزالة الألغام مألوفة في الرقة، بل إن لهم تجمعا وسط المدينة عند نزلة المتحف، حسب سليم.

وقتل أكثر من واحد منهم خلال "عمله".

وقتلت الألغام ما يزيد على 60 مدنيا بينهم نحو 17 طفلا، منذ استعادة الرقة، حسب ما نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان.

يقول سليم إنه فتش منزله أكثر من مرة. "ليست لديهم معدات سواء العصا التي يتفقدون بها البيت.. سمعت بانفجار ألغام بأناس حتى بعد تفتيش منازلهم، لذلك قررت التفتيش أكثر من مرة".

انخفضت أسعار "الخبراء" في الآونة. يقول سليم إنه دفع 10 آلاف ليرة فقط في آخر مرة فتشت فيها منزله.

المنظمات عاجزة

يبرر الناطق باسم قوات سورية الديمقراطية مصطفى بالي لجوء سكان الرقة إلى أفراد لتنظيف بيوتهم بالضغط الشديد وضعف إمكانيات المنظمات العاملة في المدينة.
ويقول إن "قسد" خسرت معظم أخصائييها في انفجار ألغام. ويوضح أن عددا ممن يلجأ إليهم سكان الرقة سبق أن عملوا في إزالة الألغام في الجيش السوري أو إحدى الفصائل المسلحة.

وسلمت قوات سورية الديمقراطية مجلس الرقة المدني أحياء المشلب والجزرة والطيار في أطراف الرقة بعد تنظيفها من الألغام. لكن مدير التوعية في "روج" خبات محمد يقول إن تسليم هذه الأحياء تم تحت الضغط الشعبي، متوقعا وجود بعض الألغام نتيجة السرعة التي تمت بها عمليات التنظيف.

وتعمل منظمتا "ماك" البريطانية و"تيترا" الأميركية في تنظيف ريف الرقة، فيما يعمل قسم من "روج" المحلية داخل المدينة والقسم الآخر في الريف، بالإضافة إلى فرق الهندسة بقوات سورية الديمقراطية.

وتوقف أغلب العاملين في منظمات إزالة الألغام في الرقة عن العمل لـ20 يوما، من 20 كانون الأول/ديسمبر حتى 10 كانون الثاني/يناير، بداعي الإجازة السنوية.

وقال الناطق الرسمي باسم منظمة ماك البريطانية الإمام حسن "هذه إجازة روتينية سنوية. منظمة ماك على مستوى العالم في إجازة لغاية السابع من الشهر الجاري".

السكان مسؤولون أيضا

يحمل الناطق الإعلامي في منظمة "روج" عبد الحميد أيو سكان الرقة جزءا من المسؤولية في دفع الأموال لأفراد لتنظيف منازلهم.

يقول إن المنظمات تقول بعملها قدر المستطاع وأن "لا أحد يجبر الأهالي على دفع النقود".

"لا يمكننا العمل بسرعة أبدا. هناك قانون واحد للعمل بالألغام: الغلطة الأولى هي الأخيرة"، يؤكد عبد الحميد.

لكنه مع ذلك، يتفهم دوافع السكان. "الأهالي يتعجلون العودة لبيوتهم، هناك أناس بعيدون عن بيتهم منذ أكثر من سنة، ويسكنون المخيمات أو إحدى القرى القريبة، ولا يمكنهم أن يصبروا أكثر".

ويتوقع خبات محمد أن تستمر عمليات تنظيف المدينة لأشهر طويلة.

"يذهب فرق التوعية للمنطقة ويجهز تقريرا عن المنطقة الخطرة. يرفع هذا التقرير لفريق الإزالة ليستطيع التحرك. هذه العملية طويلة الأمد، وتأخذ وقتا ما يدفع المدني لجلب أي شخص لديه خبرة لتفكيك اللغم".

 

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.