من طالب عادي في كلية الهندسة الإلكترونية في دمشق إلى مقاتل في أخطر تنظيم إرهابي.. تحوّل كبير في حياة الشاب السوري أشرف ناصير خلال السنوات الخمس الماضية انتهى به في المركز السوري لمكافحة التطرف، في مدينة مارع شمالي سورية.
يمكث أشرف منذ شهر في مركز مكافحة التطرف، الذي تم افتتاحه في أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر، بدعم من متطوعين محليين، وبالتعاون مع الجيش الحر الذي يسيطر على المنطقة، وتحديدا لواء المعتصم.
المركز هو الأول من نوع في البلد الذي تمزّقه الحرب منذ سنوات، ويهدف إلى مكافحة التطرّف من خلال التوعية الفكرية والنقاش الشرعي والعقائدي.
درس أشرف، وهو من أبناء محافظة درعا، سنته الأولى في هندسة الإلكترونيات في دمشق. وبعد انطلاق الثورة السورية ومشاركته في المظاهرات، تمّ اعتقاله من قبل مخابرات النظام السوري.
فور خروجه، فرّ الشاب إلى درعا والتحق بالحراك المسلح، وانضمّ إلى لواء فجر الإسلام بكتيبة صقر قريش، الجيش، ثم التحق بتنظيم داعش، الذي أغراه بإصداراته المرئية، لكنه سرعان ما اكتشف بهتان دعايته، حسبما يقول.
علاج ممنهج
يضمّ مركز مكافحة التطرف 100 عنصر من مقاتلي داعش، ممّن كانوا في سجون فصائل الجيش الحر، التي تسيطر على مناطق غرب الفرات وريف حلب الشمالي. وبحسب مدير المركز حسين ناصر، يتراوح عدد عناصر داعش المتواجدين في السجون بين 2500 و3000 عنصر، وجميعهم معتقلون، وصدرت بحقهم أحكام قضائية. وتمّ تحويل 100 عنصر منهم للمركز بحسب قدرته الاستيعابية.
وتم تصنيفهم في ثلاثة مستويات:
- الأول: عناصر التنظيم الذين سلّموا أنفسهم للجيش الحر ولم يرتكبوا أيّ تجاوزات بحق المدنيين، وكانوا بالغالب إداريين.
- الثاني: عناصر قاتلوا وارتكبوا جرائم ضد المدنيين، وألقي القبض عليهم أثناء المعارك مع الجيش الحر.
- الثالث: عناصر أجانب من جنسيات مختلفة (تونس، العراق، أوكرانيا، روسيا، أوزبكستان).
يصف ناصر في حديثه لموقع (ارفع صوتك) عناصر داعش الأجانب بأخطر المتواجدين، "لأنهم مقاتلون عقائديون ويحملون فكراً متطرفاً جداً، ولم يصلوا لمرحلة إيجابية من العلاج".
ويختلف هؤلاء عن المقاتلين المحليين الذين دخل معظمهم التنظيم من أجل المال والسلطة، على حد قول ناصر، أو من أجل ثارات عشائرية. وهناك قسم صغير التحق هرباً من جبهة النصرة والجيش الحر.
وتأسّس المركز لمواجهة الخطر الذي يشكله داعش والفكر المتطرف على السلم الأهلي والبنية الاجتماعية. تواصل القائمون عليه مع اختصاصيين للعمل على تأهيل النزلاء على المستويات الشرعية والنفسية، إضافة إلى الترشيد والتوعية من خلال ورشات عمل دورية.
لا يقتصر نشاط المركز داخل جدرانه فقط، ولا يستهدف فقط عناصر داعش، حيث يقدّم المركز محاضرات في كافة البلدات والمدن. تستهدف هذه المحاضرات كافة فئات المجتمع وتهدف إلى تعريف المجتمع بخطر هذا الفكر المتطرف، وهي بمثابة حملات توعية، يشرف عليها محاضرون من المركز.
ويضم المركز سبعة محاضرين مدربين في الشريعة الإسلامية المعتدلة، بالإضافة لباحثين في الجماعات المتطرفة ومختصين نفسيين.
المحاضر في المركز، إبراهيم نجار، قال في حديثه لموقع (ارفع صوتك)، إن المحاضرين يعملون على تنوير العقل والمحاكمة العقلية السليمة، ويعملون مع النزلاء على كشف حقيقة التنظيم، من خلال إصداراته المرئية حيث يتم تحليلها معهم، أو من خلال تجاربهم أثناء وجودهم مع التنظيم.
إلى الحياة مجدداً
"لن أسلم عقلي لأحد من الآن وصاعداً. لقد اكتشفت حقائق عن داعش، منها قتل الأطفال المدنيين وتجنيدهم، وتدميرهم لسورية من أجل مصالح خارجية"، يقول أشرف (25 عاما). ويضيف أنه لمس تعاملا مباشرا بين داعش والنظام السوري، "حيث أصدر لنا التنظيم فتوى تجيز نقل جرحانا لمناطق النظام وقبول الدعم منه والتواصل معه".
لم يستمر أشرف طويلاً في صفوف التنظيم المتشدد، وغادره بعد انضمامه له بأربعة أشهر، أما الشرارة التي دفعته لمغادرته، حسبما يقول، هي إرسال شخص لتفجير نفسه، في جامع يوجد به قادة للجيش الحر، وأطفال صغار، واغتصاب امرأة قُتل زوجها.
يقضي أشرف يومه برفقه النزلاء، حيث يوفر لهم المركز حصصا ترفيهية ورياضية، بالإضافة للمحاضرات. "أقضي يومي في درس رياضي صباحاً ولاحقاً وجبة الفطور، ومنتصف النهار يوجد جلسة ولاحقاً الغداء يتبعه درس، ومساءً درس آخر"، يقول أشرف.
ولا يخفي المحاضر إبراهيم وجود بعض العقبات أثناء تعاطيهم مع عناصر يحملون الفكر المتطرف، وفي الغالب يكونوا عناصر أجنبية. ولكنه متفائل بنسبة النجاح لهذه الدفعة حيث وصلت إلى 80% حسب تعبيره.
يقول "نحاول العودة لسبب انضمامهم الأول، ما الذي دفعهم لذلك؟. ونقوم بمحاججتهم بهذا السبب بشكل غير مباشر، ونجري مقارنات بين الأفكار المتطرّفة التي زرعها بهم داعش وبين الأفكار الصحيحة التي في الإسلام".
يبتعد المسؤولون عن المواجهة المباشرة مع النزلاء ومعاندتهم لكي لا يشعروا أن هناك ضغوطات تمارس عليهم.
"في نهاية كل جلسة نوزع استبيان لمعرفة ما هو الموضوع الذين يودون الحديث فيه بالجلسات القادمة؟".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659