صورة تعبيرية/Shutterstock
صورة تعبيرية/Shutterstock

بغداد- دعاء يوسف:

قريبا من شارع يأخذك لوسط منطقة البتاوين، مشت نوال باتجاه منزلها، وسط نظرات ازدراء ممّن حولها وعبارات سخرية من قبل بعض أصحاب المحلات التجارية.

تتعرّض نوال مرارا للمضايقات من جيرانها وأهالي المنطقة حيث تسكن والذين يلومونها لأنها تتسول لتوفر نفقة المخدرات التي يتناولها زوجها.

تثقل كاهلها

"لا أفهم لماذا لا يتركونني وشأني؟"، تتساءل نوال، 29 عاماً. "أنا التي أتأذى يوميا وأضطر إلى تحمل المهانة داخل بيتي وخارجه. يقولون زوجها يكبسل وهي تشحد. لا أفهم لماذا يعتبرون أنهم أوصياء على حياتي".

لم تكن نوال تعرف أن زوجها مدمن على الكبسلة، وهو مصطلح شعبي عراقي أصبح متداولا في العشر سنوات الأخيرة، ويقصد به الإدمان على المخدرات بأنواعها. كان سلوكه عنيفا بعد الزواج وازداد الأمر سوءا بعد إنجابها طفلها الأول وبعده الثاني.

"صار يضغط عليّ ويهددني بحرماني من أطفالي إن لم أجد وسيلة لتأمين المال"، تقول بحسرة.

هيئة الشابة لا تكشف عن حالة التعب فقط، بل عن مدى يأسها من الحياة أيضاً، إذ بدت خاملة ونحيلة. "لا أستطيع الهرب أو إيجاد الحلول المناسبة للتخلص من التسول أو زوجي".

بالنسبة لنوال، كان البقاء مع زوجها المدمن الخيار الوحيد، لأنها فتحت عينيها على الدنيا وهي طفلة بحضن والدة زوجها التي كانت تعمل هي الأخرى بالتسول. "لقد كنت أجوب الشوارع والأزقة أتسول معها".

وتشير إلى أن المخدرات تثقل كاهلها، لأنها تدفع زوجها ليتعامل بعنف، "ولكن حصوله على المال يحافظ على هدوئه ويبعده مؤقتا عن افتعال المشادات الكلامية التي دائما ما يكون ضربي نهايتها".

زادت عن 70%

وفي وقت سابق، كشفت إحصائية لمكتب المخدرات ومتابعة الجريمة التابع للأمم المتحدة عن حالتين كتجارة مخدرات فقط ما بين (1970– 1990)، إذ كانت تجارة المخدرات قليلة في العراق حتى عام 2003.

لكن بعد هذا سجلت إحصائية أصدرها المكتب عام 2014 أن من بين كل 10 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 18-30 سنة يدمن ثلاثة على المخدرات. ورجحت الإحصائية الصادرة وقتها أن الـ10 سنوات القادمة ستفتك بالشاب العراقي في حال بقي الوضع على ما هو عليه.

وأفادت إحصائية لمستشفى الرشاد للأمراض النفسية والعصبية أن نسبة المراجعين المدمنين للمخدرات زادت عن 70% خلال العام 2016، وأن التعاطي الذي كان على صعيد الشباب والراشدين، صار الآن على صعيد المراهقين والأطفال أيضا، وأن أنواع مخدرات لم تكن معروفة في العراق صار الشباب يتعاطونها.

وكانت وزارة الصحة والبيئة العراقية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، قد كشفت في 2014 عن عدد المدمنين المسجلين في العراق عدا إقليم كردستان وبلغ خمسة آلاف مدمن يخضعون للعلاج رسميا.

وزارة الداخلية

وتسعى وزارة الصحة في عام 2018 لتنفيذ الخطة الوطنية التي أعدتها للعلاج والوقاية من أخطار المخدرات في البلاد مع بعض الوزارات ومنها وزارة الداخلية العراقية.  

ويقول الناطق الرسمي لوزارة الداخلية وعمليات بغداد سعد معن "شهدت الآونة الأخيرة تزايدا في تجارة المخدرات والحبوب المهلوسة، ولكن على الصعيد الآخر كان هناك نشاط مميز جدا لقواتنا الأمنية".

وبموجب قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لعام 2017، يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من "استورد أو جلب أو صدر مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية بقصد المتاجرة بها في غير الأحوال التي أجازها القانون".

ويضيف معن في حديث لموقع (ارفع صوتك) "لقد نجحت المديرية العامة لمكافحة المخدرات على مستوى الأقسام التخصصية في عملية الضبط وإلقاء القبض على مروجي المخدرات".

صالات التدليك

وتستخدم الكثير من العصابات المقاهي ومراكز المساج (التدليك) وصالات اللياقة البدنية أو "الجيم" التي انتشرت بكثرة في الآونة الأخيرة في بغداد.

ويشير سعد إلى أن مفارز وزارة الداخلية وبالتعاون مع وزارة الصحة بإغلاق الكثير من صالات ومراكز المساج كانت تمارس العمل بصفة غير المرخصة ومخالفة للقوانين.

وفاقمت الأحداث الأمنية التي شهدها العراق في السنوات الأخيرة من تعاطي المخدرات في البلاد، وحبوب الهلوسة، وكذلك المهدئات من "زاناكس" والمسكنات مثل "ترامادول".

وبحسب شهادة سيدة من بغداد فضلت التحفظ عن اسمها، هناك مقاه يدخلها الشباب وأخرى مخصصة للفتيات يدخلنها لتعاطي "حبوب الكبسلة" بعد طحنها مع المعسل في النرجيلة.

تروي السيدة أن صديقتها لجأت أيضا إلى الحبوب المهدئة بعدما توفي زوجها في تفجير إرهابي. "في البداية، كانت تتناولها على فترات متباعدة، لكنها الآن لا تستطيع أن تعيش من دونها".

"كنا من قبل لا نشعر بوجود هذه الآفة بيننا. لكن الآن على عتبة أي مقهى أو منزل أو قاعة رياضة، يمكن أن أتخيل أن أمورا خفية تجري في الداخل لكثرة ما سمعت من قصص".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.