في مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، وتحديدا على قمة جبل جرزيم، تقطن واحدة من أصغر وأقدم الطوائف الدينية في العالم: السامريون.
"السامريون" جمع "سامري". وهو اسم مشتق من اللغة العبرية ويعني "المحافظ"، أي الملتزم، حسب الاعتقاد السامري، بتعاليم بالتوراة والمحافظ على ركائز السامرية الخمسة: وحدانية الله، ونبوة موسى، وأسفار التوراة الخمسة، وقدسية جبل جرزيم، واليوم الآخر حيث الحساب والعقاب.
يقول السامريون إنهم نجحوا في الحفاظ على هويتهم على مدى أكثر من 3650 عاما، لكن صعوبات جمة تواجههم اليوم. تعدادهم الحالي لا يتجاوز 800 نسمة، يتوزعون بين جبل جرزيم في نابلس ومنطقة حولون بالقرب من تل أبيب.
"نحن السلالة الحقيقية لشعب بني إسرائيل. أتينا إلى الأراضي المقدسة مع قائد الشعب الإسرائيلي يوشع بن نون، والكاهن الأكبر أليعازر بن هارون، منذ 3655 سنة، ولم نغادر الأراضي المقدسة"، يقول كاهن الطائفة السامرية، ومدير متحفها حسني واصف السامري.
146 شخصا
عندما دخل بني إسرائيل "الأراضي المقدسة" قادمين من مصر انقسموا على مملكتين: يهوذا وعاصمتها القدس (لليهود)، السامرة (تسمى مملكة إسرائيل الشمالية) وعاصمتها نابلس (للسامريين).
"على إثر هذا الانقسام، حصلت حروب طاحنة بين السامريين واليهود، ما أضعف السامريين واليهود معا"، يقول كاهن الطائفة السامرية.
كاهن الطائفة السامرية، ومدير متحفها حسني واصف السامري
حسب الكاهن حسني واصف السامري، كان تعداد السامريين عند انقسام دولتهم ثلاثة ملايين نسمة، وأخذ بالانحدار حتى وصل 146 فردا فقط قبل مئة عام. ويحتفظ السامريون بسجلات إحصائية لوفياتهم وولادتهم.
يعود سبب التراجع وفق كاهن الطائفة إلى "الغزاة". "أتى الآشوريون، والبابليون، والفارسيون، واليونانيون، والرومان، والبيزنطيون، والإسلام. كل غازٍ كان يقتل السامريين"، يقول الكاهن.
واعتنق الكثير من السامريين الأديان الجديدة الوافدة. "معظم المسيحيين، إن لم نقل كلهم، أصلهم سامري في فلسطين، ومعظم المسلمين من أصل سامري. كثير ممن لم يستطيعوا دفع الجزية تحولوا إلى الإسلام، سواء بالقوة أو لعدم الإمكانية"، يقول الكاهن.
تحدي البقاء
أفلتت الطائفة من الانقراض رغم التراجع الشديد لأعدادها. يعود ذلك بالأساس، حسب كاهن الطائفة، إلى اتحاد ما تبقى من أتباعها وعيشهم في تجمعات سكانية خاصة في منطقتي جبل جرزيم وحولون.
حافظ هؤلاء على تعاليم دينهم جيلا بعد جيل، مثل احترام السبت والاحتفال بالأعياد السامرية، والصيام. "السامري ابن سنة واحدة يصوم. هذه محافظة. وابن السنتين نأخذه إلى الكنيس ليتعلم أصول الدين. هذه محافظة"، يقول الكاهن. ويسمح للأطفال بالرضاعة فقط خلال الصيام.
حافظ السامريون عبر قرون على لغتهم العبرية القديمة، يعلمونها للأطفال ابتداء من سن السادسة. وكانوا أيضا قليلي الاختلاط بالأطياف الأخرى.
"حافظنا على عقيدتنا وعاداتنا وتقاليدنا وفولكلورنا وأنغامنا وصلواتنا وإيماننا بجبل جرزيم الذي يجمعنا ويوحد كلمتنا. لذلك تمكنا من الحفاظ على السامريين عبر التاريخ"، يقول كاهن الطائفة.
وتعتبر السامرية ديانة غير تبشيرية، أي أن التكاثر هو الوسيلة الوحيدة لزيادة عدد أتباعها. "لا يوجد تبشير لدينا. سيدنا موسى أتى لشعب بني إسرائيل"، يقول حسني.
وحسب حسني واصف السامري، يعاني السامريون من قلة أعداد الفتيات في طائفتهم. ينضاف إلى هذا تزوج السامريين من غيرهم، وهو يمثل خطرا مستقبليا يهدد بقاء الطائفة.
السبت المقدس
لا تختلف العبادات السامرية عن عدد من العبادات الإسلامية كثيرا. فالصلاة السامرية فيها ركوع وسجود وتهليل، ويجب الوضوء قبلها.
ويتوجب ختان الطفل لدى بلوغه اليوم الثامن.
لكن قدسية يوم السبت تبقى أهم ما في الدين السامري. "قدسية السبت في مقدمة كل شيء ديني"، يقول الكاهن.
في ذلك اليوم ينقطع السامريون عن العمل، ولا يشعلون الأضواء، ولا يركبون السيارات، ولا يشاهدون التلفاز، ولا يتحدثون عبر الهاتف. فهذا اليوم مخصص للصلاة، ولا مكان للتكنولوجيا فيه، يقول حسني واصف السامري.
حتى طعام السبت مختلف. يفضل السامريون تناول السلطات والأطعمة الباردة التي لا تحتاج الحرارة في هذا اليوم. النار من قائمة المحرمات يوم السبت.