مقاتلان من جبهة النصرة خلال مواجهات عسكرية مع قوات النظام السوري/وكالة الصحافة الفرنسية
مقاتلان من جبهة النصرة خلال مواجهات عسكرية مع قوات النظام السوري/وكالة الصحافة الفرنسية

يعمل أبو خالد الشمالي بسرية تامة. خطأ بسيط قد يدفع ثمنه غاليا. يحرص الشاب العشريني على تطبيق كافة "إجراءات السلامة": لا يخبر أحد بعمله، لا يدع هاتفه في يد أي كان، لا يخزن أرقاما لأشخاص قد يقودون إلى التعرف عليه، يخفي كاميرته هو يصور، يمسح كل بريده الإلكتروني ومحادثاته.

توثيق انتهاكات هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) في إدلب كاللعب بالنار. الغلطة الأولى قد تكون الأخيرة.

أبو خالد ليس وحده أيضا. معه 18 شابا، موزعين في إدلب وريفها، يترصدون انتهاكات جبهة النصرة منذ سنتين. لا يعرفون بعضهم البعض، لكنهم مع ذلك يشكلون "فريقا" من مراسلين مجهولين، يرسلون مقالاتهم وصورهم إلى مكتب مركزي في تركيا.

يوثق أبو خالد الشمالي (هكذا يعرف نفسه)، 23 عاما، عمليات الاعتقال والتعذيب والخطف التي تقوم بها التي تحرير الشام. يحرر مقالاته، مثلما يفعل أي صحافي، يزودها بصور وفيديو حسب بالمستطاع، ويرسلها إلى مدير الفريق في تركيا عاصم زيدان.

في أنطاكيا، جنوب تركيا، يرأس الناشط الحقوقي عاصم زيدان، 27 عاما، مكتب "توثيق انتهاكات جبهة النصرة". هو والعاملون معه في المكتب وحدهم يعرفون أسماء "المراسلين" في إدلب.​

هرب عاصم زيدان إلى تركيا سنة 2015 بعد مضايقات تعرض لها من جبهة النصرة

​​غادر زيدان نحو تركيا سنة 2015 بعد مضايقات تعرض لها من جبهة النصرة، حين بدأ رفقة بعض أصدقائه في رصد انتهاكات الجبهة في إدلب.

في أنطاكيا، اكتمل تأسيس الفريق والتحق به أغلب "المراسلين". يقول عاصم زيدان "انطلقنا بالعمل بإمكانيات بسيطة، وزعنا الفرق بالداخل. في كل منطقة ثلاثة أشخاص. نقوم بتوثيق الانتهاكات ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي: فيسبوك، وتويتر، تلغرام. هذه هي منصتنا حتى الآن".​

​​

​​يملك الفريق صفحة على تويتر يتبعها قرابة 7000 شخص، بينهم كثير من الصحافيين ووسائل الإعلام. ويتابع صفحة الفريق على فيسبوك 15 ألف شخص.

الحذر لا ينفع أحيانا

الحذر قد لا ينجي الناشطين في توثيق الانتهاكات في كل مرة، كما حدث مع عمار العبدو الذي تم اعتقاله من منزله في إحدى قرى جبل الزاوية.

أمضى عمار ثلاثة أشهر معتقلا لدى جبهة النصرة، قبل أن يطلق سراحه. ولم تمض أكثر من ستة أشهر أخرى حتى حاولت النصرة اعتقاله من جديد لكنه أفلح في الهرب.

 يقول العبدو "داهموا منزلي لاعتقالي. استطعت الهروب وتمكنت من الدخول إلى تركيا عن طريق التهريب".

التحق عمار العبدو بـ"فريق توثيق جبهة النصرة" الذي كان تأسس حينها رسميا. وهو الآن مسؤول عن "فريق الداخل"، أي النشطاء في إدلب.

لائحة اعتداءات

يصنف عاصم زيدان انتهاكات هيئة تحرير الشام التي يرصدها فريقه إلى قسمين: الأول يضم جرائم القتل والتعذيب وخطف المدنيين والناشطين الإعلاميين والعسكريين...إلخ

ويضم الثاني الاعتداءات على البنية التحتية، مثل الاستيلاء على أراضي وممتلكات الاوقاف، والاعتداء على قرى المسيحيين والعلويين والاستيلاء عليها. وثق نشطاء المركز أيضا اعتداءات النصرة على المعامل والسكك الحديدية.

واعتدت هيئة تحرير الشام خلال العام الماضي على نشطاء مدنيين وإعلاميين. وقام عناصرها باقتحام راديو "فريش" وتكسير معداته، وراديو "ألوان" واعتقال القائمين عليه.

يقول فريق توثيق انتهاكات جبهة النصرة إنه وثق، خلال عام 2017 فقط، مقتل 60 مدنيا على يد النصرة بمدينة إدلب، بينهم أربع نساء وثلاثة أطفال.

ووصلت حالات الخطف إلى 296 حالة بينها أربع نساء وطفلان، حسب الفريق.

حملات مضادة

إلى جانب توثيق الانتهاكات، ينظم الفريق حملات توعية في مدينة إدلب وريفها لمجابهة حملات هيئة تحرير الشام.

وأطلقت الهيئة، عام 2016، حملة بعنوان "انفروا" تستهدف تجنيد الشباب في صفوفها. وبحسب مدير الفريق عاصم زيدان، جندت الحملة ما يقارب 500 طفل لا تتعدى أعمارهم 18 سنة من المخيمات على الحدود مع تركيا، وقرابة 300 طفل من إدلب وريفها.

في المقابل، أطلق فريق رصد الانتهاكات حملة مضادة بعنوان "أطفال لا جنود".

لافتة علقها نشطاء الفريق على أحد المساجد وبها عبارة "أطفال لا جنود">

​​وبالموازاة مع سيطرة هيئة تحرير الشام النهائية على مدينة إدلب، بعد معارك مع تنظيم أحرار الشام وباقي الفصائل، أطلق الفريق حملة "سوريون ضد التطرف" لدعوة أعضاء النصرة إلى الانشقاق عنها.

مدير المشروع عاصم زيدان يقول إن الحملات تتم عن طريق نشر ملصقات ومنشورات وغرافيتي على الجدران داخل إدلب. وهو العمل الذي يقوم به أعضاء الفريق سرا بالليل. وفي اليوم الموالي، يعود النشطاء لتصوير هذه الشعارات وبثها في مواقع التوصل الاجتماعي.

يعتبر أبو خالد الشمالي أن حملات فريقه ساهمت في فضح جبهة النصرة. "بقيت سنة كاملة أعمل متطوعا ومتعاونا مع فريق الحملة دون أن أتطرق لأي كلام يخص النصرة أمام أحد لأن الجميع يعتبرهم مجاهدين. اليوم أستطيع، أنا وغيري، التحدث عن انتهاكاتها وخياناتها في أية جلسة شرط ألا يكون أحد الأمنيين حاضرا".

 

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.