بعد محاولات عديدة تتمكن نادية عبد الله، 45 عاما، من دخول منطقة القليعات في المدينة القديمة وسط الموصل، للبحث عن عائلة ابنتها بين العشرات من الجثث المتفسخة، التي باتت منازل المدينة القديمة مدافن لها، فالمعارك الضارية لم تمنح غالبية سكانها فرصة للهروب.
تقترب نادية بحذر من مجموعة من الجثث المطمورة تحت الأنقاض ولا يظهر من كل واحدة منها سوى جزء معين، تحاول أن تسحب إحداها وهي تحصر أنفاسها خوفا وحزنا من أن تكون الجثة عائدة لابنتها وأطفالها، لكن سرعان ما يناديها شقيقها الذي يرافقها بالقول هذه الجثة لرجل وليس لامرأة.
تقول نادية التي تسكن في بغداد منذ سنوات لموقع (ارفع صوتك) "رغم مرور أشهر على تحرير الموصل لم تردنا أي أنباء عن ابنتي وعائلتها، وكانت منطقتهم مسرحاً لمعارك طاحنة بين القوات الأمنية والمسلحين، لذلك لا أتصور أنهم نجوا".
رائحة الجثث المتفسخة تطغي على الأجواء في المدينة القديمة، ففرق الدفاع المدني العراقية ورغم مرور نحو سبعة أشهر على تحرير الموصل، تمكنت مؤخراً من الوصول إليها، وذلك بسبب كثافة العبوات الناسفة التي فخخ بها التنظيم الأزقة والمنازل، لكن مع هذا يبقى التجول داخلها صعبا فحتى الكمامات التي يلبسها الناس الباحثون عن أقاربهم لا تقي من الرائحة التي تقطع الأنفاس.
ويُصاب العديدون هنا بالغثيان وآخرون لا يتمكنون من مواصلة السير بسبب بشاعة المنظر لجثث متناثرة في الأزقة أو معلقة على جدران المنازل.
أنواع غريبة من الحشرات الطائرة
العائدون من سكان المدينة القديمة بدأوا منذ الصيف الماضي يشتكون من انتشار أنواع جديدة من الحشرات الطائرة، الشبيهة بالبق، لا يعرفون لها اسماً، لكنها كثيرة جدا خصوصا بالقرب من الأماكن التي تكثر فيها الجثث المتفسخة.
العم جلال، كما يناديه سكان حي القليعات، رجل موصلي لم يتجاوز بعد العقد السادس من عمره، يتجول يوميا مشياً بين أزقة المدينة القديمة، يحذر من خطورة الجثث على سكان الموصل وعلى مدن العراق الأخرى.
ويوضح لـ(ارفع صوتك) "وجود هذه الجثث سيتسبب بانتشار الأوبئة التي لن تكون خطراً على الموصل وحدها بل على العراق كله"، معربا عن استعداده لمشاركة فرق الدفاع المدني في انتشالها.
ويشير العم جلال الى أن تواجد الجثث لا تقتصر على المدينة القديمة فحسب، بل تنتشر على ضفاف نهر دجلة الذي يقسم الموصل الى نصفين ويتجه نحو جنوب العراق ماراً بعدة مدن أبرزها تكريت وبغداد، التي يعتمد سكانها عليه في الشرب والاستعمال اليومي، لذلك قد تتسبب هذه الجثث في تلوث مياه النهر، وبالتالي ستشكل تهديداً على صحة المواطنين في جميع المدن التي يمر بها.
انتشال أكثر من 2500 جثة
شكلت قوات الدفاع المدني وبالتنسيق مع مديريتي الصحة والبلدية في الموصل خلال العمليات العسكرية لتحرير الموصل فرقاً ميدانية لرفع الجثث وفق الضوابط. ويكشف المدير العام لمديرية الدفاع المدني في الموصل، اللواء أحمد محمود، لموقع (ارفع صوتك) "أنجزت فرقنا واجباتها بشكل كامل، وبحسب سجلاتنا انتشلنا منذ بداية المعارك وحتى 11 كانون الثاني/ يناير الحالي نحو 2558 جثة من جثث المدنيين، غالبيتها للنساء والأطفال".
وعما إذا كانت عمليات انتشال الجثث قد توقفت، يؤكد ضابط في قوات الدفاع المدني لموقع (ارفع صوتك) كيفية التعامل مع ما تبقى من الجثث، ويضيف مفضلا عدم الكشف عن اسمه "سنستجيب لأي طلب أو بلاغ يأتينا من الأهالي لانتشال جثث أقاربهم، لكن بعد التأكد من صحة إدعائهم"، لافتا إلى أن فرق الدفاع المدني لا تستطيع رفع كافة الجثث لضعف إمكانياتها، إضافة إلى أن الاجراءات القانونية والطبية لدفن جثث المدنيين المجهولين غير متوفرة.
بدوره، يوضح مدير المديرية العامة لصحة نينوى، فلاح حسن، لموقع (ارفع صوتك) "شكلت صحة نينوى لجنة من الطب العدلي، لرفع جثث المدنيين، وفحصهم واستصدار شهادة الوفاة بعد التحقق من هويتهم ومن أقاربهم".
ويشير مدير بلدية الموصل، عبد الستار الحبو، إلى أن فرق البلدية انتشلت أكثر من 450 جثة من جثث مسلحي داعش حتى الآن، مبينا لموقع (ارفع صوتك) "رفع ما تبقى من الجثث يحتاج الى توفر الآليات، إضافة الى أن هذا العمل يتطلب تعاون جميع الدوائر ذات العلاقة".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659