إطلاق سراح 335 متهم بعد ثبوت برائتهم/وكالة الصحافة الفرنسية
إطلاق سراح 335 متهم بعد ثبوت برائتهم/وكالة الصحافة الفرنسية

"كانت أجرتي ثلاثة آلاف دينار عراقي (2.5 دولار أميركي)، لكني دفعت من عمري ستة أشهر" يقول (ب ح) وهو سائق سيارة أجرة من بغداد طلب عدم الكشف عن اسمه.

ويروي الشاب (33 عاما) ما حدث: "أوقفني ثلاثة أشخاص بدا عليهم من ملابسهم أنهم عمال بناء وكانوا يحملون أكياسا، واتضح بعد مداهمتنا من قبل القوة الأمنية أن بداخل الأكياس أسلحة".

حكم (ب ح) بالبراءة.. لكن لم يطلق سراحه إلا بعد ستة أشهر.

ماذا حدث في السجن؟

هل السجون العراقية مؤهلة للرعاية والإصلاح الاجتماعي أم أنها تزيد من تطرف وإجرام المعتقلين والمحكومين، وفق ما يقول أخصائيون ومسجونون سابقون؟

هنا يأتي دور الباحث الاجتماعي.

يقول (ب ح)، "التقى بي الباحث الاجتماعي مرة واحدة فقط، سألني أسئلة عامة، عن اسمي وعائلتي ووضعي الاجتماعي، إذا كان أحد من أهلي محكوما أو مخطوفا أو مقتولا، أو أنني تعرضت للاغتصاب عندما كنت طفلا، ولم أره مرة ثانية".

 

شبه غياب

يقول الخبير القانوني علي جابر التميمي "لدينا مشكلة داخل السجون، وهي غياب إعداد السجين وتأهيله"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "حتى البريء ممكن أن يصبح مجرما، لأن دور الباحث الاجتماعي ضعيف جدا".

ويتابع التميمي "رسالتي في الماجستير كانت مختصة بهذا الموضوع، واكتشفت أن كل 250 سجينا يشرف عليهم باحث اجتماعي واحد".

لكن مصدرا في وزارة العدل طلب عدم الكشف عن اسمه، قلل من هذه النسبة، موضحا لـ(ارفع صوتك) أن "معدل الباحثين في السجون هو باحث واحد لعدد يتراوح بين 100 و150 نزيلا، في حين أن المعايير العالمية، هي 20 نزيلا لكل باحث".

والسبب وفقا للمصدر هو "غياب التعيينات وعدم تخصيص درجات وظيفية للباحثين، جراء الأزمة الاقتصادية".

"دور الباحث هو الحرب النفسية"

ويحذر القانوني التميمي من "غياب الدور الإصلاحي للسجون"، مضيفا "الدواعش يحملون أفكارا ولغة إقناع، فإذا جاء سارق سيغير الداعشي فكره ويجعل منه شخصا متطرفا مستعدا للقتل".

وهو ما يؤيده الناشط المدني والمتحدث السابق باسم وزارة حقوق الإنسان كامل أمين، ويقول "هؤلاء العناصر لا يقبلون التعامل مع إدارات الإصلاح، بل يعتبرون النظر في وجه المنتسبين ذنبا وخطيئة".

وهذا ما دفع بوزارة العدل إلى توظيف عدد كبير من رجال الدين، للتحدث مع السجناء المحكومين بقضايا الإرهاب، ضمن نفس الإطار الديني الذي يحملونه، لكنها "لم توفق أيضا"، وفقا لأمين الذي يوضح "طبيعة هؤلاء المتطرفة تحول دون التواصل".

ويرى أمين أن دور الباحث ممكن أن يكون ضمن القضايا الجنائية والجنح، لأن المحكومين بالإرهاب "لديهم أفكار عقائدية دينية تجاوزوا بها قضية المشاكل الاجتماعية، بالتالي لن ينفع جهد الباحث الاجتماعي معهم".

ويلفت الناشط المدني إلى أن "دور السجون كمؤسسة إصلاحية يحتم عليها دمج المدانين خصوصا ممن لديهم عقوبات سالبة للحرية"، لأنها ستنتهي وبالتالي يجب أن يكونوا عناصر فاعلة في المجتمع حتى لا يعودوا للجريمة والتطرف.

ويصف الخبير بشؤون الجماعات المتطرفة هشام الهاشمي دور الباحث الاجتماعي في الإصلاح بالـ"ضعيف"، مضيفا "هو أقرب إلى التنسيق الأمني والحرب النفسية أكثر من دوره في الإرشاد وإعادة التأهيل".​

السجن مقبرة الأحياء

يفتح الخبير القانوني علي التميمي بابا جديدا لخطر في السجون بسبب طول فترة التحقيق مع المتهمين، وخصوصا "الأبرياء"، واصفا "بات السجن مقبرة للأحياء".

ويعلق التميمي "ليس لدينا قانون يضمن حق البريء في التهم، ولا يوجد رد اعتبار له كما في معظم دول العالم"، مضيفا "بعض الدعاوى يبقى المتهم أربع سنوات بالسجن وبعدها يخرج براءة. هذه السنوات من يعوضها، بعد أن سلبت حريته ومست كرامته وسمعة أهله وحتى نظرة المجتمع له".

ومن خلال خبرته في مجال العمل بالمؤسسات القضائية كما يصف التميمي، فإن هذا الموضوع يحمل "خطورة شديدة"، لأنه سيسفر عن "إنتاج أعداد من المجرمين".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 001202277365

مواضيع ذات صلة:

بقلم علي عبد الأمير:

يشهد العراق جدلاً واسعاً يتعلق بجهاز الكشف عن المتفجرات -والذي يسميه العراقيون سخرية جهاز كشف الزاهي (زاهي هو أحد أنواع سائل جلي الصحون)- وتقصير الحكومة العراقية والقوى الأمنية لإصرارها على استخدام هذا الجهاز رغم ثبوت عدم فاعليته منذ سنوات. وكانت محكمة بريطانية قد حكمت عام 2013 على جيمس مكورميك، صاحب الشركة المصنعة للجهاز، بالسجن 10 سنوات بتهمة الاحتيال وبيع جهاز مزيف، وذلك عقب تحقيقات استمرت على مدى ثلاث سنوات منذ اعتقاله في 2010.

موقع (إرفع صوتك) حصل على وثائق حكومية عراقية تبين حجم الفساد فيما يتعلق بهذا الجهاز ومحاولات إيقاف استخدامه منذ سنوات.

موضوعات متعلقة:

بعد مقتل 213 شخصاً في اعتداء الكرادة.. الحداد سمة العيد هذا العام

ألبوم صور من حي الكرادة

وكانت المحكمة المتخصّصة بملفات النزاهة والجريمة الاقتصادية وغسيل الأموال في بغداد قد أصدرت حكماً بسجن مدير مكافحة المتفجرات السابق اللواء جهاد الجابري لمدة أربع سنوات، بعد إدانته بتهمة الفساد بقضية استيراد أجهزة الكشف عن المتفجرات، حسب ما أعلن عنه مجلس القضاء الأعلى في العراق، في 4 حزيران/يونيو 2012.

ورغم ذلك ظل الجهاز مستخدماً في نقاط التفتيش المختلفة حتى صدور قرار من رئيس الوزراء حيدر العبادي يقضي بوقف العمل بالجهاز في أعقاب مجزرة الكرادة ببغداد فجر الأحد، 3 تموز/يوليو، والتي أسفرت عن سقوط 213 قتيلاً على الأقل وأكثر من 200 جريح.

أموال طائلة 

مسؤولون في وزارة الداخلية العراقية وبينهم الجابري كانوا يؤكدون على الإمكانات التي تتمتع بها الأجهزة، حد اعتبار الجابري اقتناءها، نوعا من العمل الوطني.

وفضلا عن الأموال الطائلة التي انفقت على استيراد هذا الجهاز، كما تؤكده وثائق كهذه:

ثلاث وثائق تكشف جانبا من الأموال التي انفقتها الحكومة العراقية على شراء الجهاز الفاشل

الوثيقة التالية المؤرخة في شباط/فبراير عام 2007 تبين إصرار القيادي في حزب الدعوة الإسلامية ووكيل وزارة الداخلية العراقية عدنان الأسدي على ضرورة إضافة المزيد من الأموال لشراء الجهاز.

عدنان الأسدي، يؤكد على ضرورة اضافة المزيد من الأموال لشراء الجهاز

وفي العام 2009، بدأت الحكومة البريطانية بالتحقيق مع الشركة المصنعة للجهاز. وفي 2010، تم اعتقال صاحب الشركة بتهمة الاحتيال ومنعها من بيع المزيد من تلك الأجهزة.

مفتش وزارة الداخلية

وفيما بدأ المفتش العام في وزارة الداخلية عقيل الطريحي، بالنظر في المسألة، معتبرا أن هذه الأجهزة "لا تعمل ولا نفع منها"، صدر أمر بالقبض على الجابري وعدد من الضباط المسؤولين عن القضية.

وثيقة النزاهة الخاصة بملاحقة الجابري

إلا أن وزير الداخلية جواد البولاني أصدر أمرا يقضي بعدم ملاحقة الجابري ورفاقه وايقاف التحقيق في هذه القضية.

جواد البولاني يوقف ملاحقة الجابري

وكان المفتش العام لوزارة الداخلية العراقية عقيل الطريحي قد كشف عن وجود عمليات فساد في صفقات شراء أجهزة الكشف عن المتفجرات. وبيّن أنه أرسل تقريرا إلى وزير الداخلية وهيئة النزاهة العامة يشير إلى شبهات شابت عملية شراء الأجهزة وكفاءتها وقيمة العقود المبرمة، لافتا إلى تورط مسؤولين كبار في الوزارة في تلك الصفقات.

جهاز "أبو الأريل" 

وفي 29 شباط/فبراير 2012، كتب الباحث والناشط العراقي نبراس الكاظمي تحقيقا مطولا عن الموضوع في مدونته " إمارة وتجارة"، أورد فيه أن "جهاز الـ “آی دي إي 651″ وهذا هو الاسم التقني لما يعرف شعبيا بجهاز "أبو الأريل" أو "جهاز كشف الزاهي" المستخدم في نقاط التفتيش، هو "رمز الفساد في العراق، ويختزل في كيانه كل جوانب الفشل الحكومي. ففيه يلتقي الجهل مع الفساد وتمكين الارهاب. والأنكى من ذلك كله، هو استمرار السلطات باستخدامه إلى يومنا هذا، كأن شيئا لم يكن".

إلى ذلك، يقول رئيس هيئة النزاهة السابق، القاضي رحيم العكيلي، إن "قضية كشف المتفجرات لم تكن قضية فساد عادية لأنها نزفت بها دماء الشعب مثلما نزفت أمواله وتورط بها كبار موظفي الدولة الأمنيين، إلا أن المساءلة عنها وقفت في حدود أحد الضباط من دون أن تطال المسؤولين الأعلى"، في إشارة إلى الجابري.

ويضيف العكيلي في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن "الجهات الرسمية العراقية ظلت، رغم ثبوت عدم صلاحية الجهاز من خلال تقارير فنية وطنية ومن خلال تحقيق إداري وتحقيق وأحكام قضائية عراقية، ومن خلال تقارير فنية أجنبية وأحكام قضائية بريطانية، مستمرة في استخدامه من أجل دفع التهمة عنها وعدم فضح مقدار الفساد وانعدام الكفاءة، وسوء إدارة الموارد في هذه القضية، إلا أن ثمن ذلك دفعه العراقيون منذ عام 2006 من أموالهم ودمائهم خلال أكثر من 10 سنوات بين 2006- 2016 تاريخ سحب الجهاز من الخدمة"،

أي سجن يقضي فيه الجابري عقوبته؟

ذلك السؤال تقصاه موقعنا، ليتأكد من أن الجابري مودع في "سجن خمس نجوم"، لجهة تمتعه بامتيازات تجعل من العقوبة أقرب إلى الإجازة الطويلة. ففيما تكون إحدى قاعات سجن مطار المثنى ببغداد مكتظة بعشرات المعتقلين وترتكب بحقهم العديد من الانتهاكات بحسب "منظمة العفو الدولية"، تبدو القاعة التي "يسجن" فيها الجابري في نفس السجن أقرب إلى "غرفة فاخرة، فثمة الهواء المكيف الذي ينعش اللواء في وزارة الداخلية ويجعله قادرا على التبختر بدشداشة نظيفة مكوية بعناية، وثمة التلفزيون بشاشة عريضة مع ستلايت يوفر للجابري حرية التنقل بين الفضائيات وفقا لمزاجه، فمن السياسة إلى الرياضة مرورا بالأغنيات والأفلام"، بحسب مصدر موثوق به، كان قد اطلع تفصيليا عن قرب على سجن المسؤول العراقي السابق.

وبحسب تلك المعلومات، فالجابري قد يكون شاهد مجزرة الكرادة الأخيرة وتابع السجال عن جهازه الذي يتهمه العراقيون بأنه فتح الطريق أمام مئات السيارات المفخخة التي قتلت الآلاف من الأبرياء. لكن لا شيء يذكر في شأن مدى تأثير تلك المجزرة على مشاعره، وفيما إذا كانت قللت من فخامة قاعة سجنه أو أعادت النظر بما اعتبره حكما مخففا ناله عن صفقة اعتبرت مثالا عن مدى الفساد في العراق، وعن تقصير المؤسسات في حماية المواطن وتوفير حياة آمنة له.

*الصورة: جهاز كشف المتفجرات أثناء استخدامه من قبل شرطي عراقي في نقطة تفتيش ببغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659