"كانت أجرتي ثلاثة آلاف دينار عراقي (2.5 دولار أميركي)، لكني دفعت من عمري ستة أشهر" يقول (ب ح) وهو سائق سيارة أجرة من بغداد طلب عدم الكشف عن اسمه.
ويروي الشاب (33 عاما) ما حدث: "أوقفني ثلاثة أشخاص بدا عليهم من ملابسهم أنهم عمال بناء وكانوا يحملون أكياسا، واتضح بعد مداهمتنا من قبل القوة الأمنية أن بداخل الأكياس أسلحة".
حكم (ب ح) بالبراءة.. لكن لم يطلق سراحه إلا بعد ستة أشهر.
ماذا حدث في السجن؟
هل السجون العراقية مؤهلة للرعاية والإصلاح الاجتماعي أم أنها تزيد من تطرف وإجرام المعتقلين والمحكومين، وفق ما يقول أخصائيون ومسجونون سابقون؟
هنا يأتي دور الباحث الاجتماعي.
يقول (ب ح)، "التقى بي الباحث الاجتماعي مرة واحدة فقط، سألني أسئلة عامة، عن اسمي وعائلتي ووضعي الاجتماعي، إذا كان أحد من أهلي محكوما أو مخطوفا أو مقتولا، أو أنني تعرضت للاغتصاب عندما كنت طفلا، ولم أره مرة ثانية".
شبه غياب
يقول الخبير القانوني علي جابر التميمي "لدينا مشكلة داخل السجون، وهي غياب إعداد السجين وتأهيله"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "حتى البريء ممكن أن يصبح مجرما، لأن دور الباحث الاجتماعي ضعيف جدا".
ويتابع التميمي "رسالتي في الماجستير كانت مختصة بهذا الموضوع، واكتشفت أن كل 250 سجينا يشرف عليهم باحث اجتماعي واحد".
لكن مصدرا في وزارة العدل طلب عدم الكشف عن اسمه، قلل من هذه النسبة، موضحا لـ(ارفع صوتك) أن "معدل الباحثين في السجون هو باحث واحد لعدد يتراوح بين 100 و150 نزيلا، في حين أن المعايير العالمية، هي 20 نزيلا لكل باحث".
والسبب وفقا للمصدر هو "غياب التعيينات وعدم تخصيص درجات وظيفية للباحثين، جراء الأزمة الاقتصادية".
"دور الباحث هو الحرب النفسية"
ويحذر القانوني التميمي من "غياب الدور الإصلاحي للسجون"، مضيفا "الدواعش يحملون أفكارا ولغة إقناع، فإذا جاء سارق سيغير الداعشي فكره ويجعل منه شخصا متطرفا مستعدا للقتل".
وهو ما يؤيده الناشط المدني والمتحدث السابق باسم وزارة حقوق الإنسان كامل أمين، ويقول "هؤلاء العناصر لا يقبلون التعامل مع إدارات الإصلاح، بل يعتبرون النظر في وجه المنتسبين ذنبا وخطيئة".
وهذا ما دفع بوزارة العدل إلى توظيف عدد كبير من رجال الدين، للتحدث مع السجناء المحكومين بقضايا الإرهاب، ضمن نفس الإطار الديني الذي يحملونه، لكنها "لم توفق أيضا"، وفقا لأمين الذي يوضح "طبيعة هؤلاء المتطرفة تحول دون التواصل".
ويرى أمين أن دور الباحث ممكن أن يكون ضمن القضايا الجنائية والجنح، لأن المحكومين بالإرهاب "لديهم أفكار عقائدية دينية تجاوزوا بها قضية المشاكل الاجتماعية، بالتالي لن ينفع جهد الباحث الاجتماعي معهم".
ويلفت الناشط المدني إلى أن "دور السجون كمؤسسة إصلاحية يحتم عليها دمج المدانين خصوصا ممن لديهم عقوبات سالبة للحرية"، لأنها ستنتهي وبالتالي يجب أن يكونوا عناصر فاعلة في المجتمع حتى لا يعودوا للجريمة والتطرف.
ويصف الخبير بشؤون الجماعات المتطرفة هشام الهاشمي دور الباحث الاجتماعي في الإصلاح بالـ"ضعيف"، مضيفا "هو أقرب إلى التنسيق الأمني والحرب النفسية أكثر من دوره في الإرشاد وإعادة التأهيل".
السجن مقبرة الأحياء
يفتح الخبير القانوني علي التميمي بابا جديدا لخطر في السجون بسبب طول فترة التحقيق مع المتهمين، وخصوصا "الأبرياء"، واصفا "بات السجن مقبرة للأحياء".
ويعلق التميمي "ليس لدينا قانون يضمن حق البريء في التهم، ولا يوجد رد اعتبار له كما في معظم دول العالم"، مضيفا "بعض الدعاوى يبقى المتهم أربع سنوات بالسجن وبعدها يخرج براءة. هذه السنوات من يعوضها، بعد أن سلبت حريته ومست كرامته وسمعة أهله وحتى نظرة المجتمع له".
ومن خلال خبرته في مجال العمل بالمؤسسات القضائية كما يصف التميمي، فإن هذا الموضوع يحمل "خطورة شديدة"، لأنه سيسفر عن "إنتاج أعداد من المجرمين".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 001202277365