نساء مغربيات يشاركن في احتجاج مطلبي في 2012
نساء مغربيات يشاركن في احتجاج مطلبي في 2012

احتاج خالد الغرباوي إلى وثيقة رسمية تؤكد أنه متكفل قانونيا بنفقة والدته، فطلب منه إحضار 12 شاهدا يؤكدون ذلك أمام كاتبي عدل محلفين لدى المحكمة.

اصطحب خالد الشهود، سبعة ذكور وأربع نساء، لكنه فوجئ برفض كاتب العدل (يسمى عدلا في المغرب) قبول شهادة النساء، بدعوى أن شهادة المرأة لا تقبل بالمطلق في قضايا الأحوال الشخصية، كالزواج والطلاق والإرث، كما لا يمكنها أن تكون جزءا من "اللفيف العدلي".

واللفيف العدلي هو مجموعة شهود يعتمد عليهم في إثبات وقائع أو حقوق لا يملك أصحابها في الغالب وسائل إثبات خاصة، مثل زواج قديم، أو بيع غير موثق، وحتى في قضايا النسب أو الإرث.

في المقابل، يقبل كتاب العدل شهادة المرأة في القضايا التي تشهد فيها على نفسها، كأن تكتب اعترافا بدين أو تتنازل عن الحضانة أو تبيع شيئا ما. بشكل عام، يمكنها أن تشهد على نفسها، لا أن تشهد على الناس.

العدل الذي رفض توثيق كفالة والدة خالد يقول إنه لا يقبل شهادة النساء في مثل هذه الحالات "ولو كان عددهن 100 امرأة".

تنصرف النساء الأربع ممتعضات من "قواعد فقهية وضعت في قرون غابرة وفي سياقات لا تمت بصلة لحاضرنا".

المرأة تصير عدلا

وبينما يرفض فيه العدول شهادة النساء، وافق العاهل المغربي الملك محمد السادس على ممارسة المرأة المغربية لمهنة العدل نفسها.

وأنهت هذه الخطوة احتكار ممارسة هذه المهنة من طرف الرجال، بعدما أفتى المجلس العلمي الأعلى (هيئة الإفتاء الرسمية في المغرب) بجواز أن تصير المرأة كاتب عدل.

وجاء في بيان الديوان الملكي أنه تم فتح الباب أمام مزاولة المرأة مهنة عدل "بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي".

لكن رشيد فريتح، وهو عدل موثق بمحكمة الأسرة بسلا، يعتقد أن العدول سيستمرون برفض شهادة المرأة حتى وإن صارت هي نفسها عدلا.

"شهادة المرأة في اللفيف لن تقبل أبدا، ولا يظهر أن الدولة تسير في قبولها، تولي المرأة مهنة العدالة لن يلقي القوانين الجاري بها العمل".

ويقوم العدل في المغرب بتوثيق عقود البيع والشراء وقسمة التركة وتلقي الشهادات.. غير أن أكثر ما يشتهر به هو توثيق عقود الزواج والطلاق. ويشبه في هذه الحالة المأذون في بعض الدول.

وأثار القرار الملكي غضبا في بعض الأوساط السلفية. ولم يخف حسن الكتاني أحد زعمار التيار السلفي رفضه لذلك.

​​عقلية ذكورية

"ليس هناك قانون يثبت أن المرأة ممنوعة من الشهادة أو أن شهادتها هي نصف شهادة الرجل. وإن كانت فلماذا تقبل شهادتها أمام القضاء، بينما يرفض العدول قبولها"، تقول خديجة الروكاني، المحامية وعضوة الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء.

وتعتبر المحامية رفض العدول لشهادة المرأة "انقلابا على القانون".

ويقول محمد عبد الوهاب رفيقي، السلفي السابق والباحث في الدراسات الإسلامية، إن اعتماد رافضي شهادة المرأة على بعض الأحاديث النبوية غير سليم تماما، متهما إياهم بتجزيء السنة النبوية وفصلها عن سياقها لإقرار قواعد فقهية لم يقرها الإسلام.

"حديث ناقصات عقل ودين قيل يوم عيد، ومزاحا، وليس من باب التشريع وإصدار الأحكام. لا يجب أن يعتد به لضرب قيمة المرأة والتقليل من قيمتها"، حسب رفيقي.

ويؤكد أن الأفكار المتوارثة حول أن المرأة ليس لها من القدرة والكفاءة ما يؤهلها لتؤدي به الشهادة ليست من الدين، "بل من منطق فقهي متأثر بالعقلية الذكورية التي كانت مسيطرة في غالب فترات التاريخ الإسلامي".

ويدعو الشيخ السلفي السابق إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة ونبذ التمييز، قائلا "هي أبرز المقاصد التي دعا إليها الدين الإسلامي الذي يجب أن يقرأ قراءة مقاصدية وليست ظاهرية تجزيئية".

مواضيع ذات صلة:

أمهات عازبات بمركز اجتماعي بالدار البيضاء (2010)
أمهات عازبات بمركز اجتماعي بالدار البيضاء (2010)

المصدر: أصوات مغاربية

قد تقرر رغم الضغوط الاحتفاظ بطفلها، التكفل به وتربيته لوحدها في غياب الأب، ولكنها تصطدم بمشاكل وصعوبات تقف عائقا أمام اندماجها واندماج طفلها في المجتمع وعيشه حياة طبيعية مثله مثل باقي الأطفال.

الأم العازبة في المغرب ما زالت تعيش وضعا صعبا، وطفلها بدوره يعاني مثلها من نظرة المجتمع الدونية والتمييز بينه وبين باقي الأطفال الذين ولدوا في إطار مؤسسة الزواج، تمييز قد يبرره البعض بدواعي "دينية" أو حتى "قانونية".

فهل حقا القانون المغربي والدين الإسلامي يميزان على مستوى الحقوق بين الأطفال الذين ولدوا في إطار العلاقة الزوجية ومن ولدوا خارج ذلك الإطار؟

مساواة في الإسلام

رئيس المجلس العلمي بالصخيرات تمارة (مؤسسة دينية رسمية)، لحسن السكنفل، يؤكد أن "الأطفال الذين يولدون خارج مؤسسة الزواج لهم نفس الحقوق مثلهم مثل باقي الأطفال الذين يولدون في إطار مؤسسة الزواج".

ويتابع السكنفل تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، مستدلا على ذلك بـ"قصة النبي والمرأة الغامدية" التي جاءته وقد حملت من علاقة خارج الزواج فقال لها: "إذا كان لنا عليك حق فلا حق لنا على ما في بطنك، اذهبي حتى تضعيه. وذهبت حتى وضعته وجاءت به إلى النبي وهو في خرقة فقال لها: اذهبي حتى ترضعيه. فذهبت وبعد سنتين جاءت به وهو يمشي وفي يده كسرة خبر، فقال للصحابة: من يتكفل بهذا؟"

​​

من ثمة يؤكد المتحدث على أن الإسلام لم يميز بين الأطفال الذين يولدون خارج إطار مؤسسة الزواج وغيرهم "لأنه لا ذنب لهم"، مبرزا انطلاقا من القصة السالفة، أن لهؤلاء الأطفال كامل الحقوق "أولها الحق في الحياة والوجود، والحق في الأمومة، والحق في الرعاية من طرف المجتمع إلى أن يكبروا".

ويشير السكنفل ضمن حديثه إلى "بعض المسلمين الذين ولدوا خارج إطار الزواج"، والذين "كان لهم شأن ومكانة كبيرة في تاريخ المسلمين ولم يكن يشار إليهم بوصفهم ولدوا خارج إطار الزواج"، مبرزا أن الطفل "إذا لم يكن معروف الأب كان يعطى له أحد أسماء العبودية حتى يُنسب ويمكن أن يُعطى له حتى اسم العائلة ليشعر بالانتماء ويتم التكفل به كأنه طفل يتيم".

لا تمييز في القانون

قبل فترة قصيرة أثار خبر إصدار محكمة مغربية حكما لصالح أم عازبة يسمح لها بالحصول على الدفتر العائلي مجموعة من ردود الفعل بحيث اعتُبر الأمر بمثابة "سابقة قانونية".

ردود الفعل التي أثارها الموضوع والحديث عنه بوصفه "سابقة" من نوعها، يدفع لطرح كثير من الأسئلة تتمحور حول ما إذا كان في القانون المغربي ما يكرس أي نوع من أنواع التمييز ضد الأطفال المولودين خارج إطار الزواج.

المحامي والحقوقي، عبد المالك زعزاع، يجيب على هذا السؤال، ويؤكد أن "القانون المغربي أعطى لهؤلاء الأطفال عدة حقوق".

ويشدد زعزاع في تصريحه لـ"أصوات مغاربية" على عدم وجود إشكال على المستوى القانوني حيث أن "القانون يسعف الأم لأن تطالب مثلا بتسجيل الطفل في دفتر الحالة المدنية، ويمكن لأي شخص امرأة أو رجلا مغربيا أن يقوم بكفالة هذا الطفل بناء على قانون الأطفال المهملين، كما يمكن للنيابة العامة في حالة ما إذا وُجد أي طفل في الشارع أن تقوم بالتصريح بإهمال هذا الطفل وتقوم بإجراءات معينة لإيداعه في مؤسسة للرعاية الاجتماعية".

​​

ويتابع المتحدث موضحا أنه "إذا تتبعنا مجموعة من النصوص والقوانين نلاحظ أن المشرع المغربي بذل جهدا كبيرا في محاولة إعطاء كافة الحقوق للطفل الذي يوجد في وضعية صعبة بناء على الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب والتي هو ملزم بتطبيقها على أرض الواقع".

وفي السياق نفسه يشير المحامي المغربي إلى عدد من القوانين المغربية كـ"قانون الجنسية" و"قانون الحالة المدنية" وغيرها التي تصب في اتجاه العمل بـ"قاعدة عالمية وفقهية وقضائية تقول إنه عند النزاع يجب الأخذ بالمصلحة الفضلى للأطفال"، وهي القاعدة التي يضيف أنها "يجب أن تحكم جميع النزاعات والممارسات الإدارية لأن مدونة الأسرة في بعض مقتضياتها القانونية تقول إنه من الواجب على الدولة أن تحمي حقوق الأطفال".

ويجدد المتحدث التأكيد على أنه لا يوجد أي تمييز قانوني ضد هؤلاء الأطفال مشيرا إلى أن الصعوبة أو الإشكالية تكمن أولا في "عدم المعرفة بالنصوص القانونية المتعلقة بهذا الموضوع بالنسبة لما يسمى بالأمهات العازبات" وثانيا "في بعض الممارسات المعيبة لبعض أفراد المجتمع" التي يرى أنها نابعة في جزء منها من "عدم الوعي بحقوق هؤلاء الأطفال وبأنهم في المساطر والمراجع القانونية لهم نفس الحقوق التي للأطفال الذين ولدوا داخل مؤسسة الزواج".

العقليات أكبر عائق

بدورها ترى، مؤسسة ورئيسة جمعية "التضامن النسوي" المعنية بالدفاع عن حقوق الأمهات العازبات، عائشة الشنا، أن أكبر عائق وتمييز تعانيه الأم العازبة وطفلها يتمثل في بعض العقليات السائدة في المجتمع.

وتوضح الشنا في تصريحها لـ"أصوات مغاربية" أنه "في السابق كان هناك تمييز قانوني"، مبرزة أن ذلك التمييز لم يعد حاليا حاضرا ولكن في المقابل "التمييز حاضر على مستوى المجتمع والطريقة التي ينظر بها للأم العازبة والطفل الذي ولد خارج إطار الزواج".

"المجتمع يمارس تمييزا أحيانا بطريقة غير مباشرة من خلال سلوكات وممارسات قد تعتبر عادية وتلقائية" تقول المتحدثة، مردفة في السياق "مثلا حين يتزوج شخص ما (سواء امرأة أو رجل) أول سؤال قد يطرحه عليه الآخرون هو اسم وأصل الشخص الذي تزوج به".

​​

وحسب المتحدثة فإن كثيرا من النساء اليوم أصبحت لديهن شجاعة الاحتفاظ بأطفالهن والتكفل بهم وتربيتهم رغم غياب الأب، ولكن في المقابل تشدد على "ضرورة العمل على العقليات" على حد تعبيرها، مشيرة إلى أن المجتمع ما زال "ينظر نظرة دونية للطفل الذي ولد خارج إطار الزواج".

وتشدد المتحدثة ضمن تصريحها على ما يعانيه الطفل الذي يولد خارج إطار الزواج من "شرخ داخلي ناتج عن عدم معرفته والده"، معاناة قد تضاعفها نظرة المجتمع إليه.

وحسب تصريحات الناشطة الجمعوية يبدو بأن المجتمع المغربي كان أكثر تسامحا في السابق مع هؤلاء الأطفال، إذ تؤكد أن "مسألة إلحاق الطفل بوالده ليست حديثة عهد في المغرب، فأجدادنا منذ قديم الزمان كانوا يقومون بذلك، بحيث إذا حصل وأنجب رجل من امرأة ليست زوجته يقوم بإلحاق الطفل به وهذا كان أمرا عاديا، وقد كان عاديا أيضا أنه في حال توفي الأب أن يرث منه ابنه الملحق مثله مثل باقي أبنائه الذين أنجبهم في إطار الزواج" تقول الشنا التي تعيد التأكيد مرة أخرى على "ضرورة الاشتغال على العقليات".

المصدر: أصوات مغاربية