احتاج خالد الغرباوي إلى وثيقة رسمية تؤكد أنه متكفل قانونيا بنفقة والدته، فطلب منه إحضار 12 شاهدا يؤكدون ذلك أمام كاتبي عدل محلفين لدى المحكمة.
اصطحب خالد الشهود، سبعة ذكور وأربع نساء، لكنه فوجئ برفض كاتب العدل (يسمى عدلا في المغرب) قبول شهادة النساء، بدعوى أن شهادة المرأة لا تقبل بالمطلق في قضايا الأحوال الشخصية، كالزواج والطلاق والإرث، كما لا يمكنها أن تكون جزءا من "اللفيف العدلي".
واللفيف العدلي هو مجموعة شهود يعتمد عليهم في إثبات وقائع أو حقوق لا يملك أصحابها في الغالب وسائل إثبات خاصة، مثل زواج قديم، أو بيع غير موثق، وحتى في قضايا النسب أو الإرث.
في المقابل، يقبل كتاب العدل شهادة المرأة في القضايا التي تشهد فيها على نفسها، كأن تكتب اعترافا بدين أو تتنازل عن الحضانة أو تبيع شيئا ما. بشكل عام، يمكنها أن تشهد على نفسها، لا أن تشهد على الناس.
العدل الذي رفض توثيق كفالة والدة خالد يقول إنه لا يقبل شهادة النساء في مثل هذه الحالات "ولو كان عددهن 100 امرأة".
تنصرف النساء الأربع ممتعضات من "قواعد فقهية وضعت في قرون غابرة وفي سياقات لا تمت بصلة لحاضرنا".
المرأة تصير عدلا
وبينما يرفض فيه العدول شهادة النساء، وافق العاهل المغربي الملك محمد السادس على ممارسة المرأة المغربية لمهنة العدل نفسها.
وأنهت هذه الخطوة احتكار ممارسة هذه المهنة من طرف الرجال، بعدما أفتى المجلس العلمي الأعلى (هيئة الإفتاء الرسمية في المغرب) بجواز أن تصير المرأة كاتب عدل.
وجاء في بيان الديوان الملكي أنه تم فتح الباب أمام مزاولة المرأة مهنة عدل "بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي".
لكن رشيد فريتح، وهو عدل موثق بمحكمة الأسرة بسلا، يعتقد أن العدول سيستمرون برفض شهادة المرأة حتى وإن صارت هي نفسها عدلا.
"شهادة المرأة في اللفيف لن تقبل أبدا، ولا يظهر أن الدولة تسير في قبولها، تولي المرأة مهنة العدالة لن يلقي القوانين الجاري بها العمل".
ويقوم العدل في المغرب بتوثيق عقود البيع والشراء وقسمة التركة وتلقي الشهادات.. غير أن أكثر ما يشتهر به هو توثيق عقود الزواج والطلاق. ويشبه في هذه الحالة المأذون في بعض الدول.
وأثار القرار الملكي غضبا في بعض الأوساط السلفية. ولم يخف حسن الكتاني أحد زعمار التيار السلفي رفضه لذلك.
عقلية ذكورية
"ليس هناك قانون يثبت أن المرأة ممنوعة من الشهادة أو أن شهادتها هي نصف شهادة الرجل. وإن كانت فلماذا تقبل شهادتها أمام القضاء، بينما يرفض العدول قبولها"، تقول خديجة الروكاني، المحامية وعضوة الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء.
وتعتبر المحامية رفض العدول لشهادة المرأة "انقلابا على القانون".
ويقول محمد عبد الوهاب رفيقي، السلفي السابق والباحث في الدراسات الإسلامية، إن اعتماد رافضي شهادة المرأة على بعض الأحاديث النبوية غير سليم تماما، متهما إياهم بتجزيء السنة النبوية وفصلها عن سياقها لإقرار قواعد فقهية لم يقرها الإسلام.
"حديث ناقصات عقل ودين قيل يوم عيد، ومزاحا، وليس من باب التشريع وإصدار الأحكام. لا يجب أن يعتد به لضرب قيمة المرأة والتقليل من قيمتها"، حسب رفيقي.
ويؤكد أن الأفكار المتوارثة حول أن المرأة ليس لها من القدرة والكفاءة ما يؤهلها لتؤدي به الشهادة ليست من الدين، "بل من منطق فقهي متأثر بالعقلية الذكورية التي كانت مسيطرة في غالب فترات التاريخ الإسلامي".
ويدعو الشيخ السلفي السابق إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة ونبذ التمييز، قائلا "هي أبرز المقاصد التي دعا إليها الدين الإسلامي الذي يجب أن يقرأ قراءة مقاصدية وليست ظاهرية تجزيئية".