جانب من سطح الجامع الكبير مزخرفة بالنقوش الفريدة/ارفع صوتك
جانب من سطح الجامع الكبير مزخرفة بالنقوش الفريدة/ارفع صوتك

تبدو مدينة صنعاء القديمة لزائريها كلوحة فنية حافلة بالكثير من أسرار التاريخ. يلتف السور الطيني المنيع حول المدينة الساحرة بطرازها المعماري الفريد بشكل دائري متعرج.

ما أن تدلف إليها بقدميك عبر مدخلها الرئيس المعروف بـ “باب اليمن”، حتى تشعر وكأنك ولجت للتو “آلة الزمن” التي تفتح لك مساراً للسفر إلى حقب تاريخية موغلة في الماضي، كما هو الحال في روايات وأفلام الخيال العلمي.

اقرأ أيضاً:

في اليمن.. حتى “المومياوات” لم تسلم من الحرب

في قلب المدينة التاريخية التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “يونسكو” عام 1984 على لائحتها للتراث العالمي الإنساني، يتربع مساحة واسعة “الجامع الكبير”، أحد أقدم المساجد في العالم الإسلامي على الإطلاق.

الجامع الكبير بصنعاء القديمة من الداخل/ارفع صوتك

​​

يقول الدكتور علي سعيد سيف، وهو أستاذ الآثار والعمارة الإسلامية في جامعة صنعاء، “هو أول جامع بني خارج المدينة المنورة، وثالث مسجد بني في الإسلام بعد مسجدي قبا والمسجد النبوي في يثرب”.

وأضاف “أمر ببنائه الرسول محمد وحدد موقعه وقبلته”.

واختلف المؤرخون حول العام الذي بني فيه الجامع، غير أن كثيرين منهم يرجحون أنه بني للمرة الأولى في العام السادس الهجري.

يوضح الدكتور علي سعيد أن المسجد في عهد النبي محمد كان بسيطاً واستمر على هذا الحال دون أي تجديد حتى جاء الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك الذي أمر عامله على اليمن بأن “يزيد في المسجد ويبنيه بناءً محكماً”.

وأشار إلى أنه تم تخطيط الجامع الكبير على غرار المسجد النبوي، بحيث يشتمل صوح “فناء” تحيط به أربع ظلات أكبرها وأعمقها ظلة القبلة.

منقوشة ومزخرفة

وأول ما يشد الانتباه داخل الجامع الذي ترتفع مئذنتاه في السماء، هو علو سقوفه المزخرفة بنقوش إسلامية نادرة وفريدة.

يقول قيم الجامع علي السنيدار “هذه الأسقف الخشبية تعود إلى أكثر من ألف ومئة عام”.

بوابة تاريخية للجامع الكبير بصنعاء/ارفع صوتك

​​

وحسب أستاذ الآثار والعمارة الإسلامية في جامعة صنعاء علي سعيد، فإن الجامع شهد عمليات توسعة وتجديد متعددة كان آخرها في حوالي القرن الثامن الهجري.

وبني الجامع بحجارة منقوشة ومزخرفة مجلوبة من قصر “غمدان” (قصر يمني يعود بناؤه إلى قبل الإسلام)، و“القُليس” وهي الكنيسة التي بناها وزينها في اليمن أبرهة الأشرم (527 - 570 م) ليحج إليها العرب بدلاً من الكعبة، وفقاً للدكتور علي سعيد.

ويعود تجديد المئذنتين الحاليتين في الجامع إلى القرن الثالث عشر الميلادي.

وتشهد أروقة المسجد الذي تبلغ مساحته الحالية تبلغ 6607 متر مربع، حلقات دراسية دينية متنوعة تنظم بشكل يومي عدا الخميس، وفقاً لقيم الجامع علي السنيدار.

فرق أثرية

ومنذ نحو 10 سنوات، قامت فرق أثرية بإجراء عملية صيانة وترميم واسعة للجامع باستثناء القليل جداً من الرواق الغربي، بسبب توقف هذه الحملة في ظل الحرب التي تعصف باليمن منذ ثلاث سنوات.

حلقة دراسية دينية داخل الجامع الكبير بصنعاء/ارفع صوتك

​​

يقول السنيدار الذي توارث سدانة الجامع عن أجداده منذ أكثر من 500 عام، “عثر فريق الترميم على مجموعات مختلفة من المخطوطات الإسلامية القيمة بينها نسخ من المصحف، إحداها بخط الإمام علي بن أبي طالب”.

ولا يزال الجامع الكبير يحتفظ بمؤذن لرفع الأذان وآخر لتبليغ التكبير للمأمومين في الصلاة، رغم اختفاء هذه العادة من مساجد مكة والمدينة بعد استخدام مكبرات الصوت.

الحاج محمد المطري يقرأ قران داخل الجامع الكبير بصنعاء/ارفع صوتك

​​

“أبواب الجامع مفتوحة طوال 12 ساعة، منذ الفجر وإلى بعد صلاة العشاء، تقام فيه الصلاة جماعات جماعات دون توقف”، قال علي السنيدار.

وتحتضن مدينة صنعاء أكثر من 60 جامعاً تاريخياً يعود تاريخ بنائها إلى القرن الأول الهجري، لكن أهمية الجامع الكبير تكمن في كونه “يعد أقدم أثر باق على أصالته”، حسب ما يؤكد خبير الآثار والعمارة اليمنية الدكتور علي سعيد.

أضاف “ما زال محافظاً على بنائه وتخطيطه منذ سنة 265 هـ، كما يتفرد بعناصر زخرفية ونباتية وكتابية منفذة بدقة عالية”.

غياب السياح

وحتى قبيل انطلاق ثورة الربيع اليمني في شباط/فبراير 2011، كان الجامع الكبير بصنعاء أحد أبرز الوجهات السياحية في اليمن، لكن الأمر لم يعد كذلك اليوم في ظل حالة الاضطراب الفوضى التي انعكست سلباً على القطاع السياحي بشكل عام.

يوضح الحاج محمد المطري (80 عاماً)، من سكان مدينة صنعاء القديمة حيث يقع الجامع الكبير، “خلال الست السنوات الأخيرة اختفى السياح الذين كانوا يتوافدون بالعشرات يومياً على الجامع ومن كل دول العالم”.

أضاف المطري لمبينما كان يشير بإصبعه إلى باحة الجامع “كان هذا المكان يمتلئ بالسياح الأجانب،  منذ أكثر من 50 عاماً، أقضي معظم وقتي هنا في قراءة القرآن الكريم”.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.