طفلة سورية في مخيم اللاجئين في بلدة أعزاز على الحدود مع تركيا
طفلة سورية في مخيم اللاجئين في بلدة أعزاز على الحدود مع تركيا

دخل الطفل خالد، من ريف حلب الشرقي، سنته الثالثة. يحفظ اسمه وكنيته "الحسين"، لكنه قانونيا غير موجود على الاطلاق.

لا تمتلك عائلته أية وثيقة تدل على اسمه أو تاريخ ولادته أو تثبت انتماءه للعائلة المؤلفة من أخيه ووالديه، فخالد غير مسجل لدى دوائر الأحوال الشخصية السورية.

لم يتمكن والد خالد من تسجيل ابنه في دائرة الأحوال الشخصية في مدينة حلب. يقول إنه "معارض" للنظام السوري، وإن ذهابه إلى حلب قد يعرضه للاعتقال.

يحاول والد خالد أن يطمئن نفسه أن حالة ابنه ليست الوحيدة، "هناك عشرات الآلاف مثله. هذا هو الأمر الوحيد الذي يعطيني بعض الطمأنينة، فليست المشكلة القانونية تخص وضع ابني وحده"، يقول الأب.

ولا يقتصر الوضع على المدن والبلدات التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة داخل سورية، بل يشمل دول اللجوء التي فر إليها ملايين السوريين.

خالد والآلاف من الأطفال في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري لا حق لهم في النسب أو الجنسية أو الإرث مثلا.

مكتومو القيد

يصنف كل من لم يتم تسجيله في دوائر الأحوال الشخصية، ووالداه مسجلان ولهما قيد في سورية، ضمن "مكتومي القيد". يجعلهم هذا محرومين من جميع الحقوق المدنية كالترشح والانتخاب والتقدم للوظائف الرسمية وحتى التعليم أو العلاج.

سيعيش هؤلاء الأطفال في النهاية في بلدهم بلا هوية.

لا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد الولادات السورية منذ عام 2012 لأن أغلب دوائر الأحوال الشخصية توقفت عن العمل في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام.

أما القليل المتبقي من الدوائر، خاصة في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب، فلا يتوقع أن يعترف بها النظام.

يقول صالح حمد، وهو محام من حلب، إن المشكلة الأكبر تكمن في عدم وجود جهات مسؤولة عن تسوية الأوضاع القانونية لهؤلاء الأطفال. "إن بقي الأمر كما هو عليه الآن، سنكون أمام كارثة قانونية مستقبلية ستؤدي إلى حرمان عشرات الآلاف من الأطفال من الجنسية السورية"، يؤكد حمد.

ويتوقع المحامي السوري أن تنفجر هذه المشكلة بعد سنتين أو ثلاث عندما تصل أعمار الأطفال إلى سن الدراسة.

لاجئون دون هوية

يتوزع خمسة ملايين لاجئ سوري على ثلاث دول هي تركيا والأردن ولبنان. وفي السبع سنوات الماضية، ولد عشرات الآلاف من الأطفال في هذه الدول.

وحسب تصريحات لنائب لبناني، ولد 260 ألف طفل سوري في لبنان خلال السنوات القليلة الماضية وهم غير مسجلين، ولا يحملون جنسية بلادهم.

يقول النائب البرلماني "إذا أراد أهالي المواليد غير المسجلين العودة إلى سورية دون وثائق تثبت نسبهم، ستتم إعادتهم (إلى لبنان)، وبالتالي ستبقى العائلة كلها في لبنان".

ولا توجد أرقام دقيقة عن الأطفال السوريين الذين ولدوا في دول اللجوء. في تركيا مثلا، يعود آخر تصريح حول ولادات السوريين في تركيا إلى منتصف سنة 2016. حينها، قال نائب رئيس الوزراء لطفي ألوان إن عددهم وصل إلى نحو 150 ألف طفل.

ويتم تسجيل هؤلاء الأطفال في المشافي الحكومية التركية في حال كان بحوزة والدي الطفل "بطاقة حماية اللاجئ المؤقتة". ويمنح المولود الجديد البطاقة نفسها ويدرج اسمه ضمن دفتر العائلة التركي الذي يحصل عليه اللاجئون من الدوائر الحكومية التركية.

أما في لبنان، فلم يعد بإمكان الكثير من السوريين تسجيل ولادات أبنائهم، بسبب عدم امتلاكهم لوثائق إقامة. وتقدر مفوضية اللاجئين أن 70% من السوريين المقيمين في لبنان انتهت إقامتهم ولا يستطيعون تسجيل أطفالهم في دوائر وزارة الداخلية اللبنانية.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا ثلاثة ملايين ونصف مليون حسب الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاء التركية. وفي لبنان، يوجد نحو مليون لاجئ سوري حسب إحصائيات الأمم المتحدة.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.