"يكره الحياة"!
في ناحية القيارة (جنوبي الموصل)، يعتزل أحمد جاسم (15 عاما) في غرفة المعيشة ذات الجدران الخرسانية الداكنة بمنزل متواضع. منفردا بهاتفه الذكي، ومكتفيا بمشاهدة أفلام الفيديو والموسيقى واللعب، حيث يضيء ضوء من شاشة الهاتف على وجهه الوسيم.
لكن ذلك الوجه يبدو حزينا، فالفتى لا يخرج للعب كرة القدم أو بالطائرات الورقية.
حتى أبسط جهد ينهك طاقة أحمد بسرعة، ويفاقم كآبته مرض القلب وسوء التنفس الذي يعاني منه بشكل دائم نتيجة لاستنشاقه الدخان الذي غطى هذه المدينة بعد إشعال مقاتلي داعش لآبار النفط القريبة من منطقتهم في محاولة يائسة لتأخير تقدم القوات العراقية، عام 2016.
"يكره الحياة. إنه يكره الحياة "، تقول والدة الفتى أحمد رحاب فياض، بلهجة شديدة، وتضيف لصحيفة "واشنطن بوست"، "لقد أثر عليه (الدخان) ليس فقط جسديا، ولكن نفسيا".
ليس أحمد فقط، فمديرية الصحة في نينوى سجلت ارتفاعا في حالات التشوه الولادي وأعداد المصابين بالربو والتهاب القصبات وأمراض سوء التنفس.
ويقول مدير صحة المحافظة إن "التلوث البيئي الذي تسبب به تنظيم داعش، أثناء فترة سيطرته على المحافظة يقف خلف تلك الزيادة، خصوصا بعد حرق آبار النفط".
جثث على جانب النهر
ولايعاني أهالي محافظة نينوى من الدخان فحسب.
بالإضافة إلى التلوث الذي يعاني منه أهالي القيارة، فإن أهالي المناطق الأخرى يعانون "تلوثا من نوع مختلف".
"جثث الدواعش ما زالت تحت الأنقاض وخصوصا على جانب النهر"، يقول مدير صحة نينوى فلاح الطائي لموقع (ارفع صوتك).
ولهذه الجثث آثار سلبية "نفسية وصحية"، بحسب الطائي الذي يقول إن الانفجارات والصواريخ والعبوات غير المنفلقة وحرق المنازل والمناطق زادت هي الأخرى من التلوث.
يقول الطائي "ليست لدينا حتى الآن فحوصات أو أجهزة تكشف عن حجم وطبيعة الأمراض التي نتجت عن التلوث"، أي إن الوضع قد يكون أسوأ مما نتخيل بكثير.
وبحسب نائب رئيس مجلس محافظة نينوى نور الدين قبلان فإن التلوث "غير الظاهري" هو مشكلة أخرى على الجميع الالتفات لها.
ويوضح في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن "الأجهزة الصحية في المستشفيات المدمرة تتسبب بإشعاعات ضارة".
ولا تقلل المساحات المزروعة من حجم المشكلة، فالأراضي الزراعية تعتبر "أرضا حراما" على المزارعين، وخصوصا الأراضي الواقعة على حدود محافظة نينوى مع إقليم كردستان.
ويلفت قبلان إلى أن وجود حقول الألغام داخل الأراضي الزراعية يمنع المزارعين من العودة إلى زراعة أراضيهم.
ويضيف "هناك تنسيق مع دائرة شؤون الألغام في وزارة الصحة لزيادة الجهود من أجل رفع الألغام والمتفجرات ولكنه لم يصل إلى المستوى الذي نأمل الوصول إليه".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 001202277365