في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر 1990، خرجت نساء سعوديات في مسيرة احتجاجية يقدن سياراتهن. كان عددهن 47 امرأة في 13 سيارة. طالبن بالحق في الحصول على رخصة القيادة.
أثارت الواقعة صدمة في مجتمع يعيب خروج المرأة بدون محرم. وجاء الرد الرسمي سريعا: فتوى من الشيخ عبد العزيز بن باز، رئيس هيئة كبار العلماء السعودية، تؤكد أن الحكم في قيادة المرأة للسيارة كان وما زال هو التحريم.
طيلة أكثر من عقد ونصف ظل موقف المؤسسة الدينية السعودية ثابتا. في أواسط سنة 2016، شدد الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الرئيس الجديد هيئة كبار العلماء أن "قيادة النساء للسيارة أمر محرم".
لكن، عندما أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قرارا يسمح للنساء بقيادة السيارة في أيلول/سبتمبر الماضي، باركت هيئة كبار العلماء القرار. وقالت إن "الحكم الشرعي في ذلك هو من حيث الأصل الإباحة".
في #بيان#الأمانة_العامة_لهيئة_كبار_العلماء توضح الأسس الشرعية في السماح لقيادة المرأة للمركبة. https://t.co/t9KAK7NpcU pic.twitter.com/kVMeevZqtG
— هيئة كبار العلماء (@ssa_at) September 27, 2017
أثار الموقف الجديد لمؤسسة الإفتاء الرسمية انتقادات ضدها، واتهامات بعدم الاستقلالية والتبعية للحاكم.
العالم في يد الحاكم
عندما اندلعت أزمة قطر مع الدول الخليجية في أيار/مايو 2017، اتخذت هيئة الإفتاء السعودية موقفا صارما من قطر.
"القرارات الأخيرة التي اتخذتها السعودية وعدد من الدول ضد قطر بسبب تمويلها الإرهاب، أمور إجرائية فيها مصلحة للمسلمين"، يقول بيان الهيئة.
في، مصر لا يختلف الأمر كثيرا. فخلال التظاهرات التي خرجت مطالبة برحيل الرئيس السابق حسني مبارك، كان موقف أحمد الطيب شيخ الأزهر وعلي جمعة مفتي مصر السابق أن " التظاهر ضد الحاكم والخروج عليه حرام".
لكن بعد سنوات قليلة فقط، شارك شيخ الأزهر في اجتماع إعلان خارطة الطريق في 3 تموز/يوليو 2013 التي أطاحت بالرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي.
وبعد انتخاب عبد الفتاح السيسي، أعلنت هيئة الإفتاء المصرية عن دعمها المباشر له، وحرمت التظاهر ضده. وأفتى علي جمعة مفتي الجمهورية السابق بأن "طاعة السيسي من طاعة الله".
بالنسبة لإسماعيل المرابط، الباحث المغربي في الشريعة والقانون، المسألة واضحة: "كلما أراد الحاكم أمرا وجه العلماء لإجازته حتى ولو عارض القوانين".
يقول المحلل المغربي إن للدين مكانة خاصة في البلدان العربية والإسلامية، وهو مصدر شرعية لعدد من الأنظمة. لذا من الطبيعي أن تسعى الدولة لبسط يدها على المؤسسة الدينية.
في سورية، لا يخفي مفتيها أحمد بدر الدين حسون دعمه المطلق لنظام بشار الأسد. وأطلق عليه المعارضون السوريون لقب "مفتي البراميل"، بعدما دعا إلى استهداف المعارضين في حلب التي كان خطيبا لها.
يشغل حسون، المعين من قبل بشار الأسد، مفتيا عاما لسورية منذ سنة 2005.
إشراف حكومي
تخضع مؤسسات الفتوى في الدول العربية للإشراف المباشر للحكومة ويعين أعضاؤها في الغالب من قبل رئيس الدولة.
في السعودية، يتم تعيين أعضاء هيئة كبار العلماء التي أحدثت عام 1971 من طرف الحكومة.
وقصر قرار صادر في أغسطس/آب 2010 عن العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز إصدار الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء.
وفي المغرب، يرأس الملك نفسه المجلس العلمي الأعلى، وهو الهيئة الوحيدة المخولة بموجب الدستور بإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا. ويعين الملك أيضا أعضاء المجلس الـ47.
يقول المرابط إن خوف الدولة في الدول العربية والإسلامية من تأثير المؤسسة الدينية على شعبيتها دفعها إلى الإٍسراع بمأسسة الدين عبر إخضاعه لإشرافها المباشر.
"المفتي غالبا ما يتم توجيهه للإفتاء في أمور لا علاقة له بها. هدف السلطة هو أن تجد مبررا في الدين". يقول إدريس الكنبوري الباحث في الإسلام السياسي.
لكن رغم إقراره بأن إشراف الدولة على المؤسسات الدينية يفقد رجال الدين استقلالهم، يشدد إدريس الكنبوري على أن ضبط مجال الفتوى كان أحيانا "ضرورة ملحة للدولة" لضبط الفوضى.
"لا يمكن أن تترك الدولة الباب مفتوحا أما من هب ودب للإفتاء"، يقول الكنبوري.