طفل سوري يقطع الخشب في مخيم للاجئين قرب مدينة أعزاز على الحدود التركية السورية
طفل سوري يقطع الخشب في مخيم للاجئين قرب مدينة أعزاز على الحدود التركية السورية

سوق تشارشي وسط مدينة غازي عنتاب التركية مزدحم جدا . يزوره الآلاف يوميا. تختلف الوجوه كل يوم، إلا من طفلين سوريين لا يتجاوز عمر أكبرهما 10 سنوات. يجلسان جنب بعضهما على رصيف الشارع. يناديان باللغة العربية: "جورب بليرة".

يبيع الشقيقان شادي ومحمود الجوارب في السوق الذي يمثل اللاجئون السوريون نسبة كبيرة من مرتاديه. يجمع كل واحد منهما ما يقارب 35 ليرة (حوالي 10 دولارات) لإعالة أمهما وشقيقهما الأصغر.

لم يدخل الطفلان المدرسة في غازي عنتاب. في تركيا، يوجد أكثر 367 ألف طفل سوري خارج المدرسة.

يقول شادي إنه يفضل وشقيقه أن يبيعا الجوارب على التسول. ويتابع "ولو أبي عايش ما كنا اشتغلنا".

قتل الأب مع عدد من إخوته في قصف جوي لبيت العائلة في حلب سنة 2015.

ونزح الأطفال رفقة والدتهم إلى غازي عنتاب التي تضم 350 ألف لاجئ سوري وفق إحصائيات دائرة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية.

عمل من الصغر

في مطعم صغير للحوم المشوية، يعمل الطفل السوري أحمد صاحب الخمسة عشر عاما.  يقول: "مضى على عملي هنا سنتان ونصف، بعد أن نزحنا أنا وأهلي إلى غازي عنتاب"، من ريف حلب.

تعلم أحمد اللغة التركية، ويتلقى أجرا يوميا قدره 15 ليرة تركية، أي ما يعادل أربعة دولارات أميركية، لقاء عمل 10 ساعات من الاثنين إلى الجمعة، وست ساعات يوم السبت كنصف دوام.

رغم ذلك، يبدو أحمد راضيا لأنه "يتعلم مهنة". يدفع الفتى السوري إيجار البيت، ويغطي أبوه باقي النفقات.

غادر أحمد المدرسة منذ أن أتى إلى تركيا لاجئا منتصف سنة 2015. في الواقع، أربعة من كل 10 أطفال سوريين في تركيا خارج المدرسة.

تقترب طفلة صغيرة من أحمد، وتطلب منه إيصالها إلى المنزل، فهما يقطنان في نفس الحي. يقول إن اسمها علا، وهي تبيع المناديل.

"لا تعرف هذه الطفلة سوى أن تطلب ليرة مقابل كل علبة مناديل تبيعها. المارة يعطونها ليرة ولا يأخذون العلبة. في وقت الغروب يكون دوامي انتهى، فأوصلها للمنزل هي وأختها"، يقول أحمد.

على عكس أحمد، لم تنقطع علا عن المدرسة. تدرس صباحا وتبيع المحارم مع أختها مساء.

ماذا يقول القانون؟

يقول صفوان قاسم، وهو أخصائي نفسي إن معظم القوانين تمنع عمل الأطفال تحت 18 سنة، إلا في بضع الأشغال الآمنة وشريطة أن يكون الطفل تجاوز 15 سنة.

ويوضح قاسم أن عمل الأطفال في سن مبكر يتسبب في "انعكاسات سلبية تتعلق بالأمان والثقة بالنفس والنمو الحركي والخيالي والذكاء".

"الأطفال العاملون في سن مبكر لا يعيشون المرحلة العمرية التي يدمج فيها الطفل الواقع بالخيال"، يقول الأخصائي النفسي. ويوضح "ينتقلون للمرحلة التي يلامسون الواقع فيها بشكل سريع، وهذا الأمر يؤثر على ذكائهم".

وحول الحلول التي يمكن اللجوء إليها، يجيب قاسم: "يجب أن يتم افتتاح مراكز للأطفال المتسولين والعاملين، والإشراف على حالاتهم النفسية".

ويقترح الأخصائي النفسي أيضا إمكانية تشغيل الأطفال داخل المنزل ومع أسرهم، وبيع المنتجات المصنوعة ضمن مزادات أو في معارض أو لشركات خاصة. هذا الأمر، على الأقل، يجعل العائلة تمتنع عن إرسال الأطفال للعمل في الشارع.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.