تنفق نائلة سيف، وهي سيدة يمنية ثلاثينية قرابة 30 ألف ريال يمني (62.5 دولار أميركي) شهرياً على شراء القات وتقضى أكثر من ست ساعات يومياً في مضغ أوراق النبات الخضراء في المنزل أو في مجالس نسائية بالعاصمة صنعاء.
“جلسات المقيل تنسينا هموم الحرب”، تقول المرأة التي بدأت بتناول القات عقب تخرجها من الثانوية العامة.
السيدة التي لم تواصل تعليمها بعد الثانوية العامة تقول “شخصياً أتناول الماء مع القات، لكن بعض النساء يتناولن أيضاً الشيشة والتبغ والسجائر ومختلف أنواع المشروبات الغازية”.
والأم لأربعة أطفال تؤكد أن معظم مجالس القات النسائية لا تكتمل إلا بسماع الأغاني اليمنية القديمة، فيما تجد بعض النساء في هذه المجالس فرصة للتباهي بملابسهن وزينتهن.
وتعتمد نائلة على زوجها في شراء ما تحتاجه من تلك الأوراق الخضراء، فمن النادر أن تذهب امرأة إلى سوق القات لأن ذلك أمر غير معتاد في اليمن.
نشوة وطاقة
والقات هو نبات ذو أوراق خضراء يواظب ملايين اليمنيين على مضغها بشكل يومي في جلسات عامة وخاصة بعد وجبة الغداء كتقليد اجتماعي متوارث منذ مئات السنين، وتصنفه منظمة الصحة العالمية كمادة يمكن الإدمان عليها.
ويشعر المتعاطون للقات بنشوة وطاقة، على حد تعبير بعضهم، كما أن هناك من يرى أن المحصول ساهم في تنمية المناطق الريفية التي يزرع فيها، بفضل أموال سكان المدن التي ينفقونها على شراء هذه الأوراق الخضراء.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن نحو 90 في المئة من الذكور البالغين يمضغون القات لأكثر من أربع ساعات يومياً في اليمن.
ويؤكد المهندس محمد العريقي، وهو مدير عام المركز الوطني للحد من أضرار القات، أن 40 في المئة من النساء في اليمن يتعاطين القات بشكل متكرر نسبياً حسب دراسات ميدانية أجرتها منظمات مجتمع مدني.
وتشكل النساء نصف سكان اليمن البالغ تعدادهم نحو 27 مليون نسمة.
ردود فعل متباينة
ظاهرة مضغ القات في أوساط اليمنيات أصبحت عادة يومية، إلا أن ردود المواطنين الذكور تتباين حول مدى تقبل ذلك بين القبول والرفض.
يقول عمر محمد (35 عاماً)، وهو شاب يمني يعمل في القطاع الخاص بالعاصمة صنعاء، إن "التخزين (مضغ القات) بالنسبة للمرأة عادة سيئة تؤثر سلباً على الأطفال والحياة الزوجية والمجتمع بشكل عام".
وعلى العكس من ذلك، يقول سهيل فوز، وهو شاب يمني عشريني، إن "من حق النساء الاستمتاع بأوقاتهن وتعاطي القات كالرجال، طالما يفتقر البلد للمتنفسات العامة الكافية وفرص العمل، وتعقيدات الحياة اليومية والبيئية غير الودودة مع النساء".
أسباب وتداعيات
وتمثل جلسات القات "متنفساً للمرأة من الضغط النفسي”، حسب مروان المغربي، وهو باحث اجتماعي يمني.
يقول "هذه الجلسات هي مجال للتواصل الاجتماعي والقضاء على العزلة والفراغ والملل".
ويشير إلى أن بعض النساء يتعاطين القات لأسباب بينها العمل في زراعته وتقليد رب الأسرة، والتأثر بالصديقات، حيث يصل الأمر "حد التفاخر على نوعية القات وجودته”.
ويرى أن هناك جملة من التداعيات والنتائج المترتبة على تعاطي النساء للقات، بينها "التفكك الأسري وترك الأطفال بمفردهم وعدم الاهتمام بتربيتهم ومتابعة تعليمهم".
قتل الوقت
وتقول مروى العريقي، وهي باحثة يمنية في الشؤون الإنسانية والاجتماعية، إن من أهم الدوافع التي تقف وراء تعاطي المرأة للقات "قتل الوقت، والهروب من الواقع التعيس”.
وتضيف العريقي، التي كانت تعمل مديراً لتحرير مجلة شباب بلا قات، "في الآونة الأخيرة انتشرت هذه الظاهرة بين أوساط الشابات مصحوبة بتدخين (الشيشة)، خلافاً لما كان عليه الحال في السابق حيث كانت المرأة تتناول القات مع زوجها في مناسبات محددة".
أضرار
وتذهب دراسات وأبحاث طبية إلى أن السموم التي يستخدمها المزارعون في رش أشجار القات سبب رئيس في انتشار أمراض السرطان.
وتقدر منظمة الصحة العالمية تسجيل 30 ألف حالة إصابة جديدة بالسرطان في اليمن كل عام.
ويذهب المهندس محمد العريقي، بالقول إلى أن أحدث الدراسات تشير إلى أن مضغ القات بالنسبة للإناث "قد يؤدي إلى العقم، كما أن تناوله أثناء فترة الحمل يتسبب بانخفاض وزن الجنين عند الميلاد".
وأشار إلى مخاطر صحية ونفسية أخرى أيضاً كالاكتئاب والذهان.
من جانبه، قال الدكتور عبدالحكيم الشبحي، وهو طبيب أطفال في صنعاء، إن القات يؤدي إلى ارتفاع معدل ضغط الدم، وهبوط السكر وعوامل نفسية جمة.
وأضاف "القات يؤدي إلى نقص في إدرار الحليب لدى المرأة المرضعة، وأحيانا وقت الولادة قد يصاب الطفل بالاختناق وتبعاته الكارثية".
أرقام
وتشير دراسات وتقارير محلية إلى أن القات يستحوذ على أكثر من 50 في المئة من دخل الأسرة اليمنية المتواضع أساساً (لا يتجاوز متوسطه 6 دولارات في اليوم).
وتتراوح أسعار الكيلو غرام الواحد من القات ما بين 10 و 50 دولارا أميركيا، لكن غالبية اليمنيين يكتفون بالقات الأقل سعراً.
وحتى عشية اندلاع النزاع الدامي في البلاد مطلع 2015، كان اليمنيون ينفقون نحو 4 مليارات دولار لشراء القات سنوياً، حسب ما يقول خبراء اقتصاديون يمنيون.