شاحنة كُتب عليها "بترول" (نفط) في الموصل بعد إعلان القوات العراقية تحرير المدينة من داعش
صورة من الموصل بعد إعلان القوات العراقية تحرير المدينة من داعش

لا يخرج أبو إبراهيم كثيراً من المنزل.

الشوارع بالنسبة له ليست مرحبة، مع إنها الشوارع ذاتها التي عرفها طوال حياته. ولد أبو إبراهيم في الموصل.. وقبل فترة داعش كان الرجل محبوبا من قبل جيرانه.

"لكن كل هذا تغير بعد أن نصبوا نقاطهم الإعلامية". يقول أبو إبراهيم، وهو يعني أكشاكا نصبها مسلحو التنظيم في أماكن مختلفة من المدينة، يعرضون فيها دعايات عسكرية ودينية، وأفلاما متقنة التصوير لجرائم الذبح والتفجير التي يقومون بها.

أصبح أبو إبراهيم أبا لعنصر في داعش، "غسلوا دماغه بمنشوراتهم وإصداراتهم وأناشيدهم".

إبراهيم كان مجرد شاب عمره 17 عاما حينما دخل داعش، وقبل سقوط المدينة بيد التنظيم، كان يعمل في محل لبيع الهدايا، ويستمع الى الأغاني ويحب الموضة ويقص شعره قصة حديثة، بحسب والده.

"بعد فترة من دخولهم أصبح يطيل لحيته، ويرتدي مثل ملابسهم، ويردد كلمات مثل الجهاد والقتال" يقول أبوه، "حتى لهجته اختلفت".

لم ير أبو إبراهيم ابنه منذ عام ونصف العام، ولا يعرف مصيره. على الأرجح، قتل إبراهيم في معركة تحرير الموصل، أو قد يكون في سورية يقاتل مع بقايا التنظيم "آخر مرة رأيته فيها كان يرتدي حزاما ناسفا ويحمل سلاحا" يقول الأب.

أبو ياسر كان أفضل حظا من أبو إبراهيم.

فاروق ذنون تمكن من "تهريب" ابنه ياسر إلى تركيا بمجرد إظهاره أول بوادر التطرف.

يقول ذنون "تغير سلوك ياسر، كان يتردد على نقاطهم الإعلامية، لكنني تحدثت معه واقنعته بالسفر ثم دفعت نقودا لأحد المهربين ونجح بتهريبه".

زود داعش نقاطه الإعلامية بشاشات عرض كبيرة تبث عمليات الإعدام وقطع الرؤوس والأطراف والحرق والتفجيرات التي كان التنظيم ينفذها في العراق وسورية. ووزع فيها منشورات التنظيم المطبوعة والرقمية.

أحيانا كان مسلحو التنظيم يجرون المارة جرا للجلوس على كراسي بلاستيكية موضوعة أمام الشاشات، وجمهورهم المفضل هم المراهقون.

يقول الأستاذ في كلية العلوم السياسية في جامعة الموصل، طارق القصار، إن التنظيم وجه خطابه لمن هم دون سن 20 عاماً على وجه التحديد.

ويضيف "استخدم داعش أساليب عدة لجذب العناصر الجدد من خلال الإعلام".

أصدر التنظيم أيضا صحيفة داخل الموصل حملت اسم (النبأ) وأطلق بث إذاعة البيان بالاعتماد على أجهزة المؤسسات الإعلامية التي استولى عليها في المدينة، إضافة إلى وجوده على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومع إن التنظيم فقد أغلب أراضيه، والجزء الأكبر من قوته العسكرية، كما أن اغلب قياداته قتلوا أو اختفوا، إلا إن دراسة صدرت عام 2017 تقول إنه لا يزال يركز على "الحفاظ على قاعدة صلبة في الإنترنت".

وتقول الدراسة التي أعدتها مؤسسة "بوليسي إكستشاينج" البحثية، ومقرها لندن، إن تنظيم داعش لا زال ينتج أكثر من 100 مادة دعائية جديدة بين الفيديو والصور والمواد المكتوبة.

لكن المختصين يقولون إن هزائم التنظيم أضعفت كثيرا قدرته على تجنيد مقاتلين جدد.

وبحسب قائد العمليات الخاصة بقوة العمل المشتركة للتحالف الدولي لمكافحة داعش جيمس جارارد فإن تركيز التحالف منصب على ضمان استهداف قدرات عناصر التنظيم في مجال الإعلام "لكي نضمن منعهم من أن يفعلوا ذلك".

ويقول التحالف الدولي الذي حارب داعش في سورية والعراق إن لديه استراتيجية واسعة لضمان دحر التنظيم تماما.

وبالتأكيد، فإن قسما كبيرا من تلك الاستراتيجية يشمل الإنترنت وشبكات التواصل.

يتطورون باستمرار

في حالة داعش، هناك مشكلة تظهر باستمرار، يقول الإعلامي العراقي عمار العميد إن "تشبيه داعش بالسرطان دقيق ليس لأن التنظيم قاتل بشع فحسب ولكن أيضا لأنه قد يختفي في أماكن يصعب كشفها".

ويضيف العميد "هم أيضا ينتشرون بسرعة، ويطورون آلياتهم الدفاعية، مثل السرطان تماما". وبحسب العميد فإن "محاربة التطرف تحتاج جهودا كبيرة ومركزة، ووقتا طويلا".

 

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.