سجين يمني/وكالة الصحافة الفرنسية
سجين يمني/وكالة الصحافة الفرنسية

بعد بضعة أشهر قاسية عاناها في السجن بسبب عجزه عن سداد مبلغ مالي استلفه لإجراء عملية جراحية لشقيقته المصابة بـالسرطان، أطلق مؤخراً سراح خليل أحمد عبدالله، بعد أن تكفلت مؤسسة خيرية محلية بقضاء دينه، لكن الرجل الأربعيني المعسر لم يعد يرى لحياته “معنى” بعدما فقد بصره هناك.

“سجنوني على ذمة 800 ألف ريال يمني (1860 دولارا أميركيا)، استلفتها من شخص من أجل شقيقتي المصابة بالسرطان، لكني لم أستطع الدفع في حينه، فاشتكى بي رغم أنني كتبت له سندا بالمبلغ وموعدا جديدا لسداده”، قال خليل.

اقرأ أيضاً:

حكم بإعدام بهائي في اليمن

أكاديمي يمني: الخطاب الديني في تاريخ الصراعات هو وسيلة السياسي

أضاف “تعرضت للضرب والإهانة وكل أنواع التعذيب، قبل أن يتم نقلي لاحقا إلى السجن المركزي”.

وأكد الرجل الذي ينحدر من محافظة إب وسط اليمن، وهو أب لثلاث بنات “عانيت الكثير طوال فترة السجن، لم يسمح لي بالتواصل مع أسرتي التي لم تجد من يرعاها، حتى أن شقيقتي توفيت دون أن أعلم بذلك”.

لكن أسوأ ما تعرض له خليل عبدالله في السجن كما يقول هو فقدان بصره فجأة بعد أن ظل أياما في اضطراب وقلق كبير غير قادر على النوم.

“جلست حزينا أبكي لعدة أيام قبل أن يسمحوا بعرضي على طبيب عيون دون جدوى”، تابع خليل الذي أصبح بسبب فقدانه للبصر عاجزاً عن العمل كسائق أجرة.

وسرد قصصاً حزينة عن أحوال كثير من السجناء المعسرين الذين التقى بهم، مضى على بعضهم سنوات في السجن بسبب عجزهم عن سداد مبالغ مالية زهيدة.

فقدت كل شيء

ومنتصف الشهر الجاري، أفرجت سلطات الأمن في صنعاء عن وليد الشرماني (45 عاماً) بعد أن قضى قرابة 10 سنوات ونصف السنة في الحبس على ذمة شيكات مالية بقيمة 31 مليون ريال يمني.

قال الشرماني إن القاضي حكم ضده بالحبس ستة أشهر، لكنه بقي في السجن المركزي بصنعاء 10 سنوات و4 أشهر. قبل أسبوع فقط، تمّ الإفراج عنه بعد تدخل مؤسسة السجين الوطنية (منظمة مجتمع مدني) بينه وبين الغرماء والاتفاق على آلية معينة للسداد.

وأشار الشرماني، الذي كان أحد كبار تجار توزيع كروت شحن الهواتف النقالة في اليمن إلى أنه لم يجد بعد صدور الحكم أحداً يتابع قضيته، “أخيرا تم إطلاق سراحي لكن بعد أن فقدت كل شيء، وأصبحت على باب الله”.

وبنبرة حزينة أضاف وليد الشرماني “ياما في السجن مظاليم.. كثير من المعسرين ماتوا في السجون.. كل ما نريده هو تفعيل القانون، يجب تحويل الشخص بعد انتهاء فترة عقوبته إلى القاضي التنفيذي ليبت فيما إذا كان متيسرا أو معسرا، لكن القانون لا يطبق”.

والسجناء المتعسرون هم المسجونون على ذمّة قضايا عاديّة أو غرامات أو ديون متعسّرة. ويُتيح قانون المرافعات والتنفيذ اليمني للقاضي أن يُصدر حكماً بالسجن ضد من يمتنع عن تنفيذ حكم محكمة مثل سداد دين أو غرامة. ويُمكن للمحكمة أن تستثني من تراه مُعسراً، إلا أن العديد من السُجناء أخبروا منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن المحكمة لم تضع وضعهم المالي في الاعتبار، أو تجاهلت التماسات تقدموا بها لإثبات أنهم مُعسرون، وهي مزاعم يدعمها مسؤولو السجن الذين تابعوا الحالات.

وفي 2014، طالبت المنظمة السلطات اليمنية بـ"أن تقوم بالإفراج عن السجناء المحبوسين لا لشيء سوى عجزهم عن سداد ديون أو غرامات".

تصادر الحق والحرية

ويفتقر اليمن إلى مؤسسات مدنية متخصصة بالدفاع عن حقوق السجناء الذين يمر على بعضهم سنوات في السجن بعد انقضاء فترة محكوميتهم دون اكتراث.

يقول عبدالرحمن الزبيب، وهو ناشط حقوقي واستشاري في وزارة حقوق الإنسان بصنعاء، “قضايا المعسرين على ذمة حقوق خاصة في السجون من أهم قضايا حقوق الإنسان المنتهكة في اليمن”.

ويحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان حرمان أي شخص من حريته بسبب إخفاقه في الوفاء بالتزام تعاقدي. كما يلزم الحكومات بسن قوانين تمنع حبس العاجزين عن سداد ديونهم.

يؤكد الزبيب أن المئات من هؤلاء يقبعون وراء القضبان، بعضهم لأكثر من 10 أو 15 عاما رغم أن عقوبتهم تتراوح بين عامين إلى ثلاثة أعوام.

تابع “هذه جريمة كبيرة تصادر الحق والحرية وتنتهك القانون، ويجب أن تحاسب عليها النيابة العامة ومجلس القضاء الأعلى والأجهزة الأمنية”.

وتواصل مراسل (ارفع صوتك) مع السلطات الرسمية بصنعاء، الممثلة بكل من مدير السجن المركزي في صنعاء والنائب العام، لكن كلاهما رفضا التعليق، أو تقديم أي أرقام وإحصائيات عن أعداد السجناء في قضايا من هذا النوع، لكن الناشط الحقوقي الزبيب قدّر عدد المعسرين في السجون اليمنية بالمئات.

وأشار إلى أنه قبل 6 سنوات كان هناك أكثر من 700 سجين معسر في اليمن، غير أنه توقع أن يكون هذا الرقم قد تضاعف كثيرا في ظل التدهور الاقتصادي والمعيشي والحرب التي تعصف بالبلاد منذ ثلاث سنوات.

رجال أعمال

وحسب فضل محرز عبيد، وهو المدير التنفيذي لـمؤسسة السجين الوطنية (منظمة مجتمع مدني)، التي تبدو الوحيدة في هذا المجال، فإن مؤسسته تمكنت منذ تأسيسها منتصف 2013، في المساهمة في الإفراج عن 297 سجينا معسرا على ذمة حقوق خاصة، بتكلفة قرابة نصف مليار ريال يمني، أي ما يعادل مليون و260 ألف دولار أميركي، قدمها رجال أعمال وفاعلو خير.

وأشار محرز إلى أن مؤسستهم نفذت كثير من الأنشطة ضمن برامجها الرئيسة كتوفير سلل غذائية لأسر السجناء والمفرج عنهم، ومواد غذائية للسجون الاحتياطية، ولحوم الأضاحي لنزلاء سجون، وغيرها من الأنشطة.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.