قبل 525 عاما.. في الثاني من شباط/فبراير عام 1492، أمرت الملكة إيزابيلا ملكة قشتالة وفرديناند ملك أراغون بطرد المسلمين الذين رفضوا اعتناق المسيحية من الأندلس.حينها، تم تخييرهم بين قبول المسيحية أو التهجير.
قبل الكثير منهم الشرط الأول، في حين غادر آخرون نحو بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وبات يطلق عليهم تسمية "الموريسكيين".
يطالب الموريسكيون اليوم إسبانيا بالاعتذار، إسوة باعتذارها لليهود الذين تم تهجيرهم من الأندلس في الفترة نفسها.
مطالب برد الاعتبار
استقرت عدة أسر موريسكية وأندلسية في المدن الشمالية للمغرب، مثل تطوان وطنجة وشفشاون، وفي وفاس وبعض مدن الريف والرباط وسلا، حتى صار "المكون الأندلسي" جزءا من الهوية المغربية، كما في نص الدستور المغربي نفسه.
بعد خمسة قرون على نكبة التهجير، اعتذر الملك الإسباني السابق خوان كارلوس بشكل علني عام 1992 لليهود الذين هجروا من الأندلس. وأقرت الحكومة الإسبانية تعديلات على القانون المدني الإسباني تتيح حصول اليهود من أصل إسباني على الجنسية كتعويض على عملية التهجير التي تعرض لها أجدادهم.
اشترط القانون الإسباني إثبات صلة المطالبين بالتعويض بالجالية اليهودية الإسبانية الأصلية، المعروفة باسم يهود السفارديم، وهي الجالية اليهودية التي عاشت في الأندلس إبان الحكم الإسلامي فيها. لكنه لم يشر إلى المسلمين الموريسكيين الذين لاقوا المصير نفسه.
أعاد اعتذار إسبانيا لليهود السفارديم مطالب الموريسكيين إلى العلن. فطالبوا الحكومة الإسبانية هم أيضا بالاعتذار وتعويضهم عما لحق أجدادهم في محاكم التفتيش. وهناك من بين الموريسكيين من يطالب بمنحه الجنسية إسوة باليهود.
عبد الواحد أكمير، المؤرخ المغربي المتخصص في تاريخ الأندلس، يقول إن مطلب الحصول على الجنسية الإسبانية لا يتبناه جميع الموريسكيين المغاربة، خاصة أنهم ليسوا عديمي الجنسية.
ويوضح أكمير أن إسبانيا وقعت اتفاقية مع المسلمين الإسبان من أصول موريسكية (كونفدرالية المسلمين الإسبان سنة 1992) نظر إليها أنها بمثابة اعتذار. وعلى أساسها، يطالب الموريسكيون خارج إسبانيا بمنحهم الجنسية، مستدلين أيضا بالإشارة في الدستور الإسباني إلى المكون الإسلامي الأندلسي كجزء من هوية البلاد.
علي بن أحمد الريسوني، مؤرخ مغربي وموريسكي من أصول أندلسية، يقول بدوره "لا نريد جنسية ولا تعويضا ماليا.. نريد فقط رد الاعتبار المعنوي للشعب الموريسكي الذي فقد موطنه الأصلي وجزء من هويته وأصبح مشتتا بين الدول".
وغادرت أسرة الريسوني الأندلس بعد سقوط الحكم الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية واستوطنت مدينة شفشاون شمال المغرب.
ويتهم المؤرخ المغربي إسبانيا بالتمييز على أساس الدين بين اليهود والمسلمين. يقول إن الموريسكيين يطالبون بالأساس ببعض "الحقوق المعنوية"، كتيسير الحصول على جوازات السفر وزيارة أثار "أجدادهم" بالأندلس إسوة باليهود.
ملاذ قريب
لا تفصل إسبانيا عن المغرب سوى 14 كيلومترا، ما جعله أقرب ملاذ للآلاف من الأسر الموريسكية التي توزعت على مناطق في شمال ووسط وغرب البلاد، حتى إن الموريسكيين أسسوا "جمهورية" صغيرة على ضفاف وادي أبي رقراق بين مدينتي الرباط وسلا.
حملت جمهورية الموريسكيين اسم "جمهورية أبي رقراق" نسبة إلى النهر، أو "جمهورية سلا" نسبة إلى مدينة سلا القريبة. وقامت على نشاط القرصنة ومهاجمة السفن التجارية الأوروبية لذا توصف أحيانا بـ"جمهورية القراصنة".
دامت هذه الجمهورية 40 عاما، وانتهت عام 1668م.
نشاط القرصنة امتد حتى السواحل الجنوبية لأوروبا، واعتبره البعض رد فعل على تهجير الموريسكيين من الأندلس.
لا تشير إحصائيات رسمية إلى عدد المغاربة من أصول موريسكية، لكن الريسوني يقدرهم بحوالي خمسة ملايين.
"هجر نحو 300 ألف موريسكي نحو المغرب عام 1614، وهي آخر عملية تهجير استهدفت مسلمي الأندلس، وقد سبقها ترحيل الآلاف منهم منذ 1609. والآن عددهم يفوق خمسة ملايين بحسب مصادرنا الموثقة" يقول الريسوني.