لوحة تهجير الموريسكيين للرسام الإسباني غابرييل بويغ رواد سنة 1894
لوحة تهجير الموريسكيين للرسام الإسباني غابرييل بويغ رواد سنة 1894

قبل 525 عاما.. في الثاني من شباط/فبراير عام 1492، أمرت الملكة إيزابيلا ملكة قشتالة وفرديناند ملك أراغون بطرد المسلمين الذين رفضوا اعتناق المسيحية من الأندلس.حينها، تم تخييرهم بين قبول المسيحية أو التهجير.

قبل الكثير منهم الشرط الأول، في حين غادر آخرون نحو بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وبات يطلق عليهم تسمية "الموريسكيين".

يطالب الموريسكيون اليوم إسبانيا بالاعتذار، إسوة باعتذارها لليهود الذين تم تهجيرهم من الأندلس في الفترة نفسها.

مطالب برد الاعتبار

استقرت عدة أسر موريسكية وأندلسية في المدن الشمالية للمغرب، مثل تطوان وطنجة وشفشاون، وفي وفاس وبعض مدن الريف والرباط وسلا، حتى صار "المكون الأندلسي" جزءا من الهوية المغربية، كما في نص الدستور المغربي نفسه.

تجسد لوحة الرسام البريطاني إدوين لونغ إجبار آلاف المسلمين الإسبان على اعتناق المسيحية

​​بعد خمسة قرون على نكبة التهجير، اعتذر الملك الإسباني السابق خوان كارلوس بشكل علني عام 1992 لليهود الذين هجروا من الأندلس. وأقرت الحكومة الإسبانية تعديلات على القانون المدني الإسباني تتيح حصول اليهود من أصل إسباني على الجنسية كتعويض على عملية التهجير التي تعرض لها أجدادهم.

اشترط القانون الإسباني إثبات صلة المطالبين بالتعويض بالجالية اليهودية الإسبانية الأصلية، المعروفة باسم يهود السفارديم، وهي الجالية اليهودية التي عاشت في الأندلس إبان الحكم الإسلامي فيها. لكنه لم يشر إلى المسلمين الموريسكيين الذين لاقوا المصير نفسه.

أعاد اعتذار إسبانيا لليهود السفارديم مطالب الموريسكيين إلى العلن. فطالبوا الحكومة الإسبانية هم أيضا بالاعتذار وتعويضهم عما لحق أجدادهم في محاكم التفتيش. وهناك من بين الموريسكيين من يطالب بمنحه الجنسية إسوة باليهود.

عبد الواحد أكمير، المؤرخ المغربي المتخصص في تاريخ الأندلس، يقول إن مطلب الحصول على الجنسية الإسبانية لا يتبناه جميع الموريسكيين المغاربة، خاصة أنهم ليسوا عديمي الجنسية.

ويوضح أكمير أن إسبانيا وقعت اتفاقية مع المسلمين الإسبان من أصول موريسكية (كونفدرالية المسلمين الإسبان سنة 1992) نظر إليها أنها بمثابة اعتذار. وعلى أساسها، يطالب الموريسكيون خارج إسبانيا بمنحهم الجنسية، مستدلين أيضا بالإشارة في الدستور الإسباني إلى المكون الإسلامي الأندلسي كجزء من هوية البلاد.

علي بن أحمد الريسوني، مؤرخ مغربي وموريسكي من أصول أندلسية، يقول بدوره "لا نريد جنسية ولا تعويضا ماليا.. نريد فقط رد الاعتبار المعنوي للشعب الموريسكي الذي فقد موطنه الأصلي وجزء من هويته وأصبح مشتتا بين الدول".

وغادرت أسرة الريسوني الأندلس بعد سقوط الحكم الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية واستوطنت مدينة شفشاون شمال المغرب. 

ويتهم  المؤرخ المغربي إسبانيا بالتمييز على أساس الدين بين اليهود والمسلمين. يقول إن الموريسكيين يطالبون بالأساس ببعض "الحقوق المعنوية"، كتيسير الحصول على جوازات السفر وزيارة أثار "أجدادهم" بالأندلس إسوة باليهود.

ملاذ قريب

لا تفصل إسبانيا عن المغرب سوى 14 كيلومترا، ما جعله أقرب ملاذ للآلاف من الأسر الموريسكية التي توزعت على مناطق في شمال ووسط وغرب البلاد، حتى إن الموريسكيين أسسوا "جمهورية" صغيرة على ضفاف وادي أبي رقراق بين مدينتي الرباط وسلا.

لوحة تهجير الموريسكيين للرسام الإسباني غابرييل بويغ رواد سنة 1894

​​حملت جمهورية الموريسكيين اسم "جمهورية أبي رقراق" نسبة إلى النهر، أو "جمهورية سلا" نسبة إلى مدينة سلا القريبة. وقامت على نشاط القرصنة ومهاجمة السفن التجارية الأوروبية لذا توصف أحيانا بـ"جمهورية القراصنة".

دامت هذه الجمهورية 40 عاما، وانتهت عام 1668م.

نشاط القرصنة امتد حتى السواحل الجنوبية لأوروبا، واعتبره البعض رد فعل على تهجير الموريسكيين من الأندلس.

لا تشير  إحصائيات رسمية إلى عدد المغاربة من أصول موريسكية، لكن الريسوني يقدرهم بحوالي خمسة ملايين.

"هجر نحو 300 ألف موريسكي نحو المغرب عام 1614، وهي آخر عملية تهجير استهدفت مسلمي الأندلس، وقد سبقها ترحيل الآلاف منهم منذ 1609. والآن عددهم يفوق خمسة ملايين بحسب مصادرنا الموثقة" يقول الريسوني.

 

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.