يمنيون داخل محل لبيع جنابي بالعاصمة صنعاء/ارفع صوتك
يمنيون داخل محل لبيع جنابي بالعاصمة صنعاء/ارفع صوتك

خنجر مربوط بحزام حول الخاصرة. هذه هي "الجنبية" التي يعتبرها اليمنيون جزءا أساسيا من الزي الشعبي التقليدي المتوارث منذ مئات السنين.

“عندما أكون بهذه الهيئة، أشعر أنني كامل الرجولة”، قال فريد اللكمي، وهو شاب يمني في نهاية العقد الثالث من العمر بينما كان يشير بكفه اليمنى إلى الجنبية المربوطة حول خصره، مشيرا إلى أن قيمتها تتجاوز المليون ريال يمني (2128 دولارا أميركيا).

اقرأ أيضاً:

في اليمن.. حتى “المومياوات” لم تسلم من الحرب

أضاف “لا أستطيع الخروج من منزلي بدونها، منذ كنت طفلاً وأنا أرتديها، ورثتها أباً عن جد”.

يتابع الشاب، الذي ينحدر من مديرية همدان شمالي غرب العاصمة اليمنية صنعاء، “في مناطق شمال اليمن من العيب أن يسير الرجل دون جنبية، فهي من تبرز مكانته الاجتماعية”.

ملايين الدولارات

وتتكون الجنبية من “المقبض” وهو رأس مصنوع من قرون الحيوانات و“الميسم” وهو شريط فضي زخرفي يفصل بين المقبض والنصل، ثم “النصل” وهو الخنجر المصقول الذي يتم وضعه في “العسيب” أو الغمد المصنوع من الخشب والذي يغطى بالجلد المدبوغ.

ويربط “العسيب” بحزام يتم عادة حياكته يدوياً بخيوط مذهبة.

وكانت قرون وحيد القرن تستورد من جنوب أفريقيا، لكن منذ عشر سنوات تم حظر استيرادها بسبب انقراض هذا الحيوان ومنع اصطياده، واعتبار قتل هذا الحيوان غير شرعي.

وتتعدد أنواع “الجنابي”، وبالتالي أسعارها التي تتراوح بين 10 دولارات وأكثر من ألفي دولار، بحسب المشتغلين في صناعتها.

يقول هارون رشيد، الذي يملك محلاً لبيع الجنابي في مدينة صنعاء منذ ثمانينيات القرن الماضي، “هناك جنابي مأربية وصنعانية وأخرى تعزية وشبوانية وحضرمية وغيرها”.

وتعتمد قيمة “الجنبية” على رأسها، أو مقبضها، حيث يصنع أجودها من قرن حيوان وحيد القرن، وهي الأغلى سعراً ولا يقتنيها إلا الأثرياء.

وحسب هارون الرشيد، فإن أجود هذه الأصناف هي “الصيفاني” و“الأسعدي”، والتي يتجاوز أسعار بعضها 15 مليون ريال (حوالي 32 ألف دولار أميركي).

وأشار رشيد إلى أن هناك جنابي تحظى بشهرة واسعة وأسعارها ملايين الدولارات كتلك التي كان يمتلكها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، والزعيم القبلي محمد بن ناجي الشايف، والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، حيث يقدر عمرها بأكثر من 800 عام.

وأكد أن لديه جنبية قديمة جداً تتجاوز قيمتها 5 ملايين ريال (10638 دولارا أميركيا)، وأحزمة باهظة الثمن نظراً لحياكتها يدوياً بخيوط مطلية بالذهب.

ويذهب رشيد إلى القول إن بعض الزعماء والوجهاء القبليين يمتلكون جنابي يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام.

وتظهر “الجنبية” بشكلها الحالي على رسومات وتماثيل أثرية لملوك يمنيين عاشوا في القرن الرابع قبل الميلاد.

و هناك جنابي خاصة بالقضاة وأخرى بالمشايخ والوجاهات الاجتماعية والسياسيين البارزين، فضلا عن الأغنياء من بين هؤلاء وغيرهم.

إلى جانب مميزات الجنابي، يتم التفاخر بالعسيب الذي يخيط يدويا بغزول فرنسية تحديدا، هو الأغلى.

شكل العسيب وأنواعه هي حاشدي وبكيلي ومأربي ونجراني وتعزي وشبواني، والأغلى الحاشدي وهي قبيلة ينتمي إليها الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

الصين

ولا يخفي هارون رشيد أن الحرب المستمرة في اليمن منذ ثلاث سنوات أثرت سلباً على تجارة الجنابي، التي تعد مدينة صنعاء القديمة المركز الأول في صناعتها وتجارتها على مستوى اليمن، تحديدا الأزمة الاقتصادية التي خلفتها الحرب، أيضا لعدم توافد السياح الأجانب إلى اليمن والذين كانوا يشترون جنابي بأسعار باهظة جدا.

لكن الأسوأ حد قوله “الغش التجاري”.

وأضاف “هناك أشخاص يستوردون جنابي مقلدة من الصين ويبيعونها بأسعار مرتفعة على أساس أنها محلية”، لكن لا توجد أرقام محددة توضح حجم هذه التجارة المقلدة. كما لم تختلف أسعار الجنابي بعد الحرب وقبل الحرب.

400 قبل الميلاد

ولا يوجد دليل تاريخي جازم يشير إلى أول عهد لليمنيين مع “الجنبية”، لكن أمة الرزاق جحاف، وهي وكيلة الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بصنعاء، ترجح أنها تعود إلى 400 قبل الميلاد.

وذكرت أمة الرزاق جحاف، وهي باحثة متخصصة في التراث الشعبي اليمني، أن “أول ظهور للجنبية اليمنية، حسب الأدلة المادية كانت لتمثال معد يكرب الموجود في المتحف الوطني بصنعاء حيث ظهر وهو يرتدي الجنبية وهذا يعود تقريباً إلى 400 قبل الميلاد”.

وأضافت أن الجنبية وردت باسم “شيزب” في أحد النقوش المسندية التي تحكي قصة تعود إلى قبل الميلاد.

وحسب جحاف، “على مدى عقود طور اليمنيون الجنبية بعدما كانت تظهر في تمثال معد يكرب خنجر طويل نسبياً أي ما بين السيف والجنبية”.

وذكرت أنه كان يتم ارتدائها على جنب الرجل، وأصبحت مقابضها سمينة، وهناك ضوابط وأعراف اجتماعية تنظم عملية استدعائها حيث تدخل أحياناً في عملية حل المشكلات أو الخصومات بين أفراد القبائل على المستوى الفردي أو الجماعي، فيما يعرف بـ“العدال” أو التحكيم الذي لا يمكن أن يتم بدون الجنبية.

لكنها تلعب وظيفة أخرى متناقضة تماماً حيث يستخدمها البعض كسلاح في كثير من حوادث القتل.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.