في 21 آب/ أغسطس 2013، هيمنت غوطة دمشق على عناوين الأخبار بعد هجوم كيماوي قتل 1200 من سكانها.
بعد الهجوم، وافق النظام السوري على نزع أسلحته الكيماوية استنادا لقرار أممي. رغم ذلك لم تتوقف الهجمات. آخرها كان قبل أسبوعين فقط، حسب مصادر محلية.
طيلة السنوات السبع الماضية، اختزلت غوطة دمشق قصة "الثورة السورية": قصف، وحصار، ونزوح، وكيماوي.
يتجاوز عدد سكان غوطة دمشق الشرقة والغربية مليونين و800 ألف نسمة. وهي تمتد على 230 كيلومترا مربعا، أي ما يعادل مساحة باريس مرتين.
من أهم مدن الغوطة: دوما وعربين وزملكا في الغوطة الشرقية، وداريا وكفرسوسة الغربية.
مجزرة نيسان
انضمت الغوطة إلى المدن التي خرجت ضد النظام السوري مبكرا، في 25 آذار/مارس 2011، بعد ثمانية أيام فقط من مظاهرات درعا.
وبعد أقل من أسبوع فقط، سقط أول قتيل في الغوطة. لكن ما جرى يوم 15 نيسان/أبريل 2011 قلب مسار الأحداث فيها.
حاصرت قوات النظام السوري الجامع الكبير في مدينة دوما، مركز الغوطة الشرقية، لتفريق المتظاهرين الذين قدموا من مناطق مختلفة: حرستا وعربين وزملكا وجوبر. خلال المواجهات، قتل ثمانية أشخاص.
رغم ذلك، استطاع المتظاهرون تجاوز قوات الأمن، واتجهوا نحو ساحة العباسيين، حيث واجهتهم قوات النظام مجددا بالرصاص الحي والمطاطي والقنابل المسيلة للدموع، ما أسفر عن اعتقال متظاهرين ووقوع إصابات جديدة. بعض المعتقلين اقتيدوا إلى السجن من داخل المشافي.
في اليوم التالي، خاض سكان مدينة دوما، التي يسكنها أكثر من 800 ألف نسمة، إضرابا عاما.
سامح اليوسف، وهو صحافي من دوما، وشاهد على أبرز الأحداث التي عرفتها المدينة منذ سبعة أعوام، يقول إن الغوطة انتقلت بعد ذلك من الحالة السلمية إلى المسلحة، كغيرها من المناطق السورية.
ويوضح اليوسف أن الغوطة تعرضت لحصار شديد فصل قسمها الشرقي عن الغربي.
فصائل عسكرية ومجالس مدنية
بدأت نواة الفصائل المعارضة تتشكل في الغوطة في نهاية 2011، بعد توالي انشقاقات العسكريين من جيش النظام.
حسب اليوسف، تشكلت في دوما "كتيبة شهداء دوما"، وهي غير موجودة الآن. وفي داريا التابعة للغوطة الغربية، تشكلت كتائب عسكرية أبرزها "شهداء داريا" و"الفيحاء".
أما في عربين، فتشكلت كتيبة "شهداء عربين". وفي كفر بطنا كتيبة "الحافظ الذهبي"، وفي زملكا كتيبة "سيف الإسلام".
لاحقا، اتحدت هذه الكتائب مشكلة فصائل أكبر، أهمها "جيش الإسلام" في "الغوطة الشرقية" و"لواء شهداء الإسلام" في الغوطة الغربية.
يقول اليوسف إن "جيش الإسلام"، الفصيل المسيطر على دوما، هو الأكثر تأثيرا على مدن وبلدات الغوطتين.
إضافة إلى ذلك، توجد في الغوطة مجالس مدنية، منتخبة محليا.
خلال عامي 2011 و2012، شهدت الغوطة مجازر متكررة ونزح سكانها أكثر من مرة. صاروا يتحدثون في المنطقة عن "النزحة الأولى" و"النزحة الثانية"...إلخ.
حاليا، تعتبر غوطة دمشق من أكثر المناطق المنكوبة في سورية. مشاهد الدمار في كل شارع وحي. لا يمر يوم إلا وتتعرض لقصف الطيران السوري والروسي.
يقول اليوسف "سكان الغوطتين بين مطرقة القصف وسندان الجوع والحصار. هجر معظم سكانها منها. حاليا، لا يوجد فيها أكثر من 150 ألف نسمة".
كيماوي الغوطة!
أجبرت قوات المعارضة المسلحة قوات النظام على الانسحاب من ريف دمشق بشكل كامل. وفي آب/أغسطس 2013، حصلت مجزرة الكيماوي المروعة التي ذهب ضحيتها أكثر من 1200 شخص.
يقول الناشط الحقوقي سراج الشامي، وهو أحد الشباب الناجين من مجزرة الكيماوي إن معظم الإصابات حصلت في عربين وزملكا وعين ترما.
شكلت المجزرة صدمة كبيرة. ودعا رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الجربا حينها المجتمع الدولي لـ"تحمل مسؤولياته وإرسال فريق أممي لفتح تحقيق".
أهم المعارك
في أيلول/سبتمبر 2015، خاضت فصائل المعارضة المسلحة، في مقدمتها جيش الإسلام، حملة عسكرية ضد قوات النظام السوري من أجل فك الحصار عن الغوطة.
نجح "جيش الإسلام" في السيطرة على الطريق الدولي دمشق – حمص. وبعد قطع الطريق اتجهت المعركة للسيطرة على مبنى هيئة الأركان الاحتياطية. كان هذا المبنى مركزاً احتياطياً لإدارة المعارك والعمليات العسكرية في كافة أنحاء سورية.
يقول سراج الشامي "كان النظام على وشك السقوط، خاصة بعد سيطرة المعارضة على الجبل المطل على دمشق. لكن تدخل روسيا ودعمها للنظام، إضافة إلى حشد الأخير عسكرياً على المنطقة أدى لانسحاب المعارضة من النقاط التي سيطرت عليها".
وفي كانون الأول من عام 2015، أودت غارة جوية نفذها الطيران الروسي بحياة زهران علوش قائد "جيش الإسلام" في الغوطة الشرقية.
تولى أبو همام البويضاني قيادة "جيش الإسلام" خلفاً لزهران علوش.
عقيدة سلفية
يتبنى "جيش الإسلام" عقيدة سلفية، وتقول مصادر إعلامية إن المملكة العربية السعودية تدعمه. وسبق أن كان طرفا في عمليات مشتركة مع جبهة النصرة المصنفة تنظيما إرهابيا.
تلقى الفصيل انتقادات حادة، وطالته اتهامات من قبل ناشطين سوريين بانتهاكات في الغوطة، خاصة في ملف اختطاف أربعة أفراد من طاقم مركز "توثيق الانتهاكات بمدينة دوما"، وهم رزان زيتونة وناظم الحمادي وسميرة خليل ووائل حمادة.
واختطف الحقوقيون الأربعة خلال مداهمة مسلحين لم يتم تحديد هويتهم لمركز توثيق الانتهاكات في مدينة دوما في كانون الأول من عام 2013، وما زال مصيرهم مجهولا.
واعتقل جيش الإسلام في كانون الأول/ديسمبر 2017 رئيسة قسم الحواضن في دوما الممرضة غصون مرشد.
وكانت الممرضة تنتقد بشكل دائم سلوك الفصيل العسكري. ووجهت للمرشد تهما من بينها قتل "الأطفال" الموجودين في الحواضن.
في منتصف 2017، دخل جيش الإسلام في معركة عسكرية مع فيلق الرحمن، وهو فصيل عسكري في الغوطة، قبل أن يصل الطرفان إلى اتفاق سلام في آب/أغسطس الماضي.
مواقف فاصلة
في 2016، بدأ النظام السوري بتنفيذ عملية نقل المدنيين من مدينة داريا في الغوطة الغربية بعد اتفاق مع النظام والمعارضة وبرعاية أممية.
ورافق الهلال الأحمر السوري ووفد من الأمم المتحدة الحافلات التي نقلت المدنيين من داريا إلى ريفي دمشق وإدلب. وخلال أيام غادر المدينة المحاصرة نحو 8000 مدني، ومئات المقاتلين التابعين للمعارضة.
ولم تقف عمليات التهجير عند داريا، وشملت بلدتي قدسيا والهامة. وأجلي أكثر من 2000 شخص بواسطة 22 حافلة من بينهم نحو 300 مقاتل إلى ريف إدلب.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2016، أخليت معضمية الشام من سكانها، وأجلي منها 3000 شخص من مقاتلين وعائلاتهم. وبعد شهر، خرج 1400 شخص، بينهم مقاتلون، من مخيم خان الشيح.