مسجد في اليمن/وكالة الصحافة الفرنسية
مسجد في اليمن/وكالة الصحافة الفرنسية

لا يزال الشاب اليمني محمد القباطي (28 عاماً) يعيش لاجئاً في مصر منذ تلقيه تهديدات بالتصفية الجسدية، عقب قيام مسلحين يعتقد أنهم ينتمون لجماعة الحوثيين بـالاعتداء عليه بعد تكفيره في أيار/مايو الماضي.

حجة الحوثيين في تكفيره كانت مناصرته لمسألة الاختلاط بين الذكور والإناث.

“حاولوا خنقي بخيط سلسلة كانت على رقبتي فيها صورة لوجه شخصية من الهنود الحمر”، قال القباطي، الذي أكد أنه صار يخشى بالفعل على حياته بسبب التكفير.

أضاف القباطي “لم أكن أدرك إرهاب التكفير إلا بعدما عايشته”.

في اليمن سجلت عشرات القضايا المشابهة

في اليمن سجلت عشرات القضايا المشابهة، ​​كان ضحيتها كتاب وأدباء وصحفيون وأكاديميون وسياسيون وناشطون حقوقيون من أبرزهم الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني جار الله عمر، الذي اغتيل في 28 كانون أول/ديسمبر 2002. 

القاتل علي السعواني قال إن "الدافع من وراء الاغتيال هو الدين فقط”.

وبعد أن ألقي القبض عليه، كشفت السلطات مخططا لاستهداف مجموعة من السياسيين والمفكرين بينهم قيادات اشتراكية وناصرية وبعثية بصفتهم “كفار يحاربون الله ورسوله”.

ومنتصف أيار/مايو العام الماضي، اغتال متطرفون إسلاميون الناشط العلماني أمجد عبدالرحمن (23 عاما)، في مدينة جنوبي غرب اليمن، بعد نحو عام من اغتيال صديقه عمر باطويل (18 عاماً) بتهمة الإلحاد، على أثر سلسلة منشورات في صفحاتهما الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إجمالاً إلى السلام والحرية والمحبة.

“الرب لم يعد حاضراً”

في كانون ثاني/يناير من العام 2012، وقع سبعون من “رجال الدين” في اليمن على فتوى "تدين" أربعة كُتاب ومثقفين يمنيين بالتعدي على الذات الإلهية والسخرية من الرموز الدينية.

في الفكر المتطرف، هذه التهم خطيرة جدا وقد تؤدي إلى الموت.

بشرى المقطري، واحدة من "المتهمين"، هي كاتبة وقيادية بارزة في الحزب الاشتراكي اليمني.

نشرت مقالة بعنوان (سنة أولى ثورة)، تناولت فيها بالنقد المضايقات التي تعرضت لها “مسيرة الحياة الراجلة” التي قطعت 260 كيلومترا الى صنعاء، انطلاقا من مدينة تعز جنوبي غرب اليمن في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 دعماً لثورة الربيع اليمني والمطالبة بمحاكمة الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

في المقالة التي أثارت الجدل، كتبت المقطري “كانت الأمور كلها طيبة، بلدة طيبة ورب غفور، لكن الأمور لم تعد طيبة، والرب الشكور لم يعد حاضراً في ليل خدار، تركنا الرب نتدبر أمورنا، ولم نستطع أن نفعل شيئا أمام عجزنا البشري”.

 كانت المقطري تصف حال عشرات الآلاف من المشاركين في المسيرة الشبابية السلمية الذين قضوا ليلة مرعبة تحت رحمة بنادق وهراوات وسكاكين أنصار الرئيس السابق عند المدخل الجنوبي للعاصمة اليمنية صنعاء.

لكن التيار السلفي المتشدد بزعامة رجل الدين البارز المطلوب للولايات المتحدة الأمريكية عبد المجيد الزنداني، شن حملة تكفير ضد الكاتبة “بشرى المقطري” ودعا إلى إغلاق الصحف والمواقع الإلكترونية التي نشرت مقالها، وطالبها بالتوبة.

وتعود جذور مسألة التكفير التي طالت النشطاء السياسيين والأدباء والكتاب اليمنيين وحتى الناشطين الحقوقيين إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما اتهم متشددون إسلاميون الأديب عبد الكريم الرازحي بالتجديف بحق الذات الإلهية بسبب نشر أسطورة إغريقية مترجمة للأطفال.

ونال الشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح القسط الأكبر من فتاوى التكفير بسبب قصائده وكتاباته الأدبية.

ومنتصف الثمانينيات شهدت البلاد أشهر محاكمة في التاريخ الحديث لليمن قضت غيابياً بإعدام الدكتور حمود العودي بعد إدانته بـ“الردة”.

يقول الدكتور العودي، وهو أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، الذي تمكن من الفرار إلى الشطر الجنوبي من اليمن آنذاك “تكفيري وإباحة دمي كان سياسياً لا أقل ولا أكثر”.

أضاف العودي “أُخذت بعض الأقوال من كتاباتي تحديداً في كتاب “المدخل الاجتماعي دراسة التاريخ والتراث الإسلامي” وهي نقد لبعض الوقائع في التاريخ، ووجهت ضدي 11 تهمة تكفير”.

تابع “عندما حضرت إلى النيابة حينها ورفضت التهم الموجهة ضدي وأنكرتها في المحضر أبلغوني أن الحكم قد صدر بحقي أصلاً، مهما ادعيت أنها تهم باطلة، لذلك شعرت بالخطر على حياتي، وقررت المغادرة إلى عدن”.

حيلة العاجز

ويرى الشيخ فؤاد عبدالواحد، وهو رجل دين يمني بارز، أن التكفير فيه “إشكالية كبيرة".

"هذه كارثة أن يضفي الإنسان طابع المخالف للملة على الطرف الآخر بمجرد أنه يخالفه في وجهة نظره”. يقول عبد الواحد.

وأضاف أن “احتكار الحقيقة وإصدار الأحكام على الآخرين بالكفر، هذا كله انحراف لا علاقة له بالدين”.

ويقول وليد دماج وهو كاتب روائي يمني إن "قضية التكفير هي صورة جلية لرفض المختلف وقمعه باستدعاء وتهييج العاطفة الدينية في مجتمع يعتبر كل ما هو سائد من ثوابت الدين”.

وبحسب دماج فـ“عندما يعجز المتدين الجاهل عن رد الحجة بالحجة يلجأ إلى أسلوب التكفير كتغطية لعجزة”.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.