منذ بداية النزاع الدامي الذي خلّف آلاف القتلى والجرحى، حرصت أطراف الحرب في اليمن على استقطاب خطباء الجوامع والدعاة ورجال الدين، لتغليف نزاعها السياسي بطابع ديني مذهبي.
قبل أسابيع قليلة، أثار رجل دين موال لجماعة الحوثيين جدلا واسعا، عندما ظهر على القناة الفضائية الرسمية الخاضعة لسيطرة الجماعة في صنعاء، مفتيا بوجوب مشاركة جميع اليمنيين في “الجهاد” جنب جماعته المسلحة في حربها ضد تحالف الحكومة المدعوم من السعودية.
“الجهاد واجب على كل من يرغب ومن لا يرغب في القتال”، قال الرجل مؤكدا أنه استند في فتواه إلى آية قرآنية، قال إنها توجب القتال حتى على الكارهين.
ولا يبدو أن الرجل كان يمزح، حين أضاف قائلا “من لا يستطيع القتال، سنعمل منه متراسا، (درعا بشريا)”، على حد تعبيره.
لم تتورع جميع الأطراف المتحاربة في اليمن عن استخدام الدين وتوظيفه لخدمة أهدافها العسكرية في الصراع المتصاعد في البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات.
“رابطة علماء اليمن” الموالية لجماعة الحوثيين الشيعية المتحالفة مع إيران، و“هيئة علماء اليمن” الموالية للحكومة الشرعية المدعومة من الرياض تصدرتا المشهد الديني على نحو لافت خلال المرحلة الماضية.
“رابطة علماء اليمن”، التي انخرط فيها جزء كبير من رجال الدين الذين يبتعون المذهب الزيدي دعت مرارا إلى النفير العام، ورفد الجبهات بالمقاتلين لمواجهة ما اسموه بـ “العدوان السعودي الأميركي” على اليمن.
واعتبرت القتال في صفوف الحوثيين “جهادا في سبيل الله”.
وفي المقابل لم تتوان “هيئة علماء اليمن”، التي تضم في صفوفها رجال دين سلفيين وآخرين محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، عن دعوة اليمنيين للتصدي لمن وصفوفهم بـ ”البغاة الانقلابيين”، في إشارة إلى جماعة الحوثيين وحلفائها الذين يقودون منذ ثلاث سنوات حربا لا هوادة فيها ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
ودائما ما يحرص الطرفان على الاستشهاد بنصوص قرآنية وأحاديث منسوبة الى النبي محمد، في محاولة من كل طرف لتسويغ قتاله ضد الطرف الآخر.
يقول ماجد الصعدي، وهو شاب يمني في العقد الرابع من العمر إنه “لم يعد يثق بالفتاوى الدينية الصادرة عن المؤسسات الدينية في اليمن”.
أضاف الرجل بينما كان يحتسي كوباً من الشاي في مقهى وسط العاصمة صنعاء “كل الأطراف تستخدم المساجد والمؤسسات الدينية لصالحها وتدعي أن حربها ضد الطرف الآخر جهاد في سبيل الله”.
ويرى فؤاد البريهي، وهو رجل دين يمني بارز، أن ”توظيف الدين في الصراع والعمل السياسي القائم في اليمن كارثة كبيرة”.
وأشار إلى أن هذا الاستغلال الديني يضاعف من حجم الضرر ويعقد المشكلة بإضفاء طابع عقائدي عليها.
وأكد الشيخ البريهي، وهو أيضا استشاري وخبير قانوني، أن "أقبح الصراعات السياسية هي تلك الصراعات التي يتم تغليفها بطابع عقائدي"
"إخضاع النص الشرعي لأهواء أدعية السياسة يمثل مشكلة خطيرة في تاريخ مختلف الديانات"، يقول البريهي.