طفل عراقي عامل في بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية
طفل عراقي عامل في بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

بغداد- دعاء يوسف:

يعود أحمد كل يوم من السوق الشعبي إلى منزله، حاملا بيده 25 ألف دينار عراقي تقريبا (ما يعادل 21 دولار أميركي تقريبا).

سيصبح أحمد قريبا في الحادية عشرة من عمره. ليس له مقعد دراسي، بل يقف بمفرده طوال النهار ليبيع الخضار والفواكه التي تجلبها أمه من علوة الرشيد ليبيعها.

يعرض أحمد الخضار على طاولة حديدية متهالكة (بسطية). ويضطر أحيانا لقضاء ساعات المساء هناك بانتظار أن تنفد بضائعه. وقبل العودة إلى بيته، يغطيها بأكياس بينما يربط الطاولة بسلسلة إلى أحد الأعمدة الكهربائية.

أحمد لم يعد يفكر بالدراسة ولا تستهويه المدرسة، وينتظر أن يجمع بعض الأموال لتأجير محل للبقالة، بينما يعمل أخوه الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره في غسل السيارات.

1.8 مليون طفل عراقي عامل

تشكل عمالة الأطفال في البلاد ٤.٩ بالمئة من مجموع السكان في بلد يبلغ تعداده ٣٧ مليون نسمة (أي هناك نحو 1.8 مليون طفل عراقي عامل)، حسب وزارة التخطيط العراقية.

تقرير وزارة العمل الأميركية لعام 2016 عن العراق ضمّ بعضا من أسوأ أشكال عمالة الأطفال، فقد بلغ عدد الأطفال العاملين بين سن 5 و14 عاما  454,330 طفلا (ما يشكل نسبة 5.3 بالمئة من مجموع أطفال العراق). وبلغت نسبة الأطفال بين عمر 7 و 14 عاما، الذين يجمعون بين الدراسة والعمل نسبة 4.2 بالمئة.

ووفق التقرير، تتوزع عمالة الأطفال على قطاعات مختلفة، منها العمل في الزراعة والصيد والعمل في المصانع وصناعة السجاد ومحطات البنزين وورش تصليح السيارات، وغيرها من الأعمال التي يمكن أن يحمل بعضها خطورة على الأطفال.

قانون العمل العراقي

يحدّد قانون العمل العراقي الحد الأدنى لسن العمل بـ(15) عاما، لكنّه يحظر أيضا "تشغيل الأحداث أو دخولهم مواقع العمل، في الأعمال التي قد تضر طبيعتها أو ظروف العمل بها بصحتهم أو سلامتهم أو أخلاقهم".

​​​

وجود القانون لا يعني بالضرورة تطبيقه. وهناك خروقات عديدة، عزّزتها الأوضاع الأمنية غير المستقرة.

 ويشير المسؤول الإعلامي في وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي إلى أن تزايد نسب عمالة الأطفال كان بعد العام ٢٠١٤ بسبب داعش والنزوح ومعارك التحرير.

الاعتماد عليّ

لا تختلف قصة حسام رشيد، الذي يعمل في ورشة لصبغ السيارات في أحد الأحياء الصناعية ببغداد وهو لم يتجاوز الحادية عشر من عمره.  

عندما نزحت عائلة الطفل حسام رشيد من الأنبار عام ٢٠١٤، بسبب سيطرة داعش آنذاك، وبعد أن استقروا في بغداد وسكنوا ببيت عمه، كان على الصبي أن يؤمن جزءا من دخل العائلة.

وجد عملا في ورشة لصبغ السيارات في أحد الأحياء الصناعية في بغداد، لكن بقي يحلم بالدراسة.

يقول حسام "أبي أصيب بداء السكري عند هروبنا من الأنبار آنذاك وأخوتي الأربعة أصغر مني عمراً، لذا فعليّ العمل لمساعدتهم".

ويتابع الطفل بحزن "الخمسة آلاف دينار أجرتي اليومية تعين أهلي في المعيشة".

رخص الأجور

وينتشر الأطفال العاملون في شوارع العاصمة بغداد. يداهمون ركاب السيارات في الزحمة ويستجدون المارة شراء بعض ما يحملونه بين أصابعهم الصغيرة من حلويات وسجائر وعلكة وغير ذلك. "عموا الله يحفظ أطفالك اشتري مني". 

ويعمل الكثير من الأطفال دون سن الـ15 في ورش البناء، رغم قسوة هذا العمل وخطورته.

تقول أنوار خليل إنها اتفقت مع أحد البنائين لترميم بيتها الذي ضم فريقه عددا من صغار العمر.

وتضيف السيدة وهي ربة بيت "يفضلون صغار العمر لرخص أجورهم".

أعمال منزلية

ويستغل بعض الأهالي أبناءهم في العمل. وتترك بعض النساء العاملات والموظفات أطفالهن عند بيوت اتخذت صاحباتها مهنة العناية الأطفال حتى عودة أمهاتهم.

وخلال ذلك كانت فرح كريم تعتقد أن من يعتني بطفلتها امرأة، لكن اتضح لها أن هذه المرأة كانت تترك الأطفال مع ابنتيها اللتين لم تتجاوز أكبرهما الـ15 من العمر.

تقول فرح "اكتشفنا أنها كانت تعمل في روضة أهلية للأطفال بينما تترك بنتيها الصغيرتين لتعتنيا بأطفالنا في بيتها مقابل مبالغ شهرية أقل من دور الحضانة الرسمية".

قوانين لا تحمي الأطفال

وعلى مدى الاعوام الماضية، نشطت الكثير من المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الأطفال في البلاد، وحاولت التصدي لظاهرة عمالة الأطفال، ولكن دون فائدة.

وتشير الناشطة في حقوق الطفل تحسين عادل إلى أنه رغم المساعي الكثيرة والمتواصلة للمنظمات غير حكومية للاهتمام بالأطفال والوقوف ضد ظاهرة العمالة، إلاّ أنهم لم يقدموا شيئاً، "لأن الحكومة لا تساندهم بقوة، كما أن القوانين لا تحمي الأطفال من أولياء أمورهم الذين يحاولون استغلالهم بالعمل".

وتضمّنت توصيات التقرير الأميركي حول العراق عدة نقاط أبرزها:

- ضمان حصول مفتشي العمل على دورات لتجديد المعلومات بشأن عمالة الأطفال.

- زيادة عدد مفتشي العمل للتطبيق الفعال للحمايات القانونية ضد عمالة الأطفال.

- رفع سن التعليم الإلزامي في العراق إلى 15 سنة على الأقل، وهو الحد الأدنى لسن العمل.

 

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.