طفل عراقي يحمل سلاحا أثناء مشاركته في تجمع عشائري/وكالة الصحافة الفرنسية
طفل عراقي يحمل سلاحا أثناء مشاركته في تجمع عشائري/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي قيس:

كانت رحلة عمر (17 عاما) التي انتهت به نزيلا في سجن الأحداث بأربيل، صعبة وفيها الكثير من التعقيدات.

بعد أن قتل تنظيم داعش والده الضابط في الجيش العراقي، قام التنظيم باجبار عمر على العمل في مطبخ لمقاتلي التنظيم.

كان بحاجة إلى العمل لكي يعيل أمّه وأخوته الستة.

بعد بضعة أشهر، تمّ تجنيده مرة أخرى من قبل عمّه لصالح قوات الحشد الشعبي للتجسّس على التنظيم.

وعده عمّه أن يدفع له 3 ملايين دينار عراقي (ما يعادل 2500 دولارا أميركيا تقريبا)، مقابل تصوير عناصر التنظيم. لكن سجنه داعش لاحقا، بعد أن كشفه أحد العناصر وهو يلتقط صورا.

نجح عمر بعدها في الهرب من سجن داعش، لكنه وقع تحت أسر قوات الأمن الكردية وحكم عليه بالسجن في سجن الأحداث في أربيل.

قصة عمر الوادرة في تقرير صادر عن جامعة الأمم المتحدة تظهر أن مسارا معقدا يرافق تجارب الأطفال الذين تجنّدهم التنظيمات الإرهابية والمجموعات المسلحة واختلاف ظروف وأسباب التجنيد وكذلك ظروف انضمام الأطفال للقتال أو حتى اتخاذهم مهام غير عسكرية وسط هذه المجموعات.

لماذا تجنيد الأطفال؟

ويميّز التقرير الصادر تحت عنوان "وسط النزاع: انخراط الصغار مع المجموعات المسلحة في الصراعات المعاصرة"، بين تقنيات التجنيد العابر للحدود والتجنيد المحلي، ولكنه يعزو تجنيد الأطفال إلى عدة عوامل أبرزها:

النقص في الراشدين: تلجأ المجموعات المسلحة لتجنيد الأطفال كبدائل للراشدين، للتعويض عن أعداد الإصابات والانشقاقات العالية. في شباط/فبراير 2013، قال مدير "أكاديمية عسكرية" للجيش السوري الحر، تتولى تدريب الأطفال بين سن 14 و18 عاما في شمال حلب، إنه "لم يعد هناك رجال راشدون في القرى".

العقول طيعة: يختار داعش الأطفال لتجنيدهم كونهم أكثر حماسة وأكثر قابلة للإيمان المطلق بـ"الجهاد".

الولاء الأحادي: تعتبر الجماعات المسلحة أن الأطفال أكثر قابلية لإظهار الولاء الكامل للجهة التي تجنّدهم، كونهم لم ينخرطوا في الصراع من قبل وليس لهم علاقات مع جهات أخرى.

العمالة الرخيصة: بعض الأطفال الذين لم يعملوا من قبل يجدون في المجموعات المسلحة فرصة للاستقلال المادي. وتجد فيهم المجموعات المسلحة بالمقابل عمالة أرخص من الراشدين.

وتؤيد الباحثة نهى الدرويش ما ورد أعلاه من أسباب التجنيد التي وردت في التقرير، موضحة أن العامل الاقتصادي أثر على نسبة "كبيرة جدا" من المجندين.

"معظم الأطفال المجندين في العراق كانوا أيتاما واضطروا إلى ترك الدراسة والانخراط في صفوف التنظيم".

وتضيف أن هذه الفئة يستخدمها عناصر التنظيم في معظم الأحيان كانتحاريين أو كجواسيس محليين.

تعمل الدرويش حاليا ضمن فريق من المختصين بعلم النفس في برنامج لإعادة تأهيل الأطفال المجندين المحتجزين في جهاز مكافحة الإرهاب.

يقيم الفريق برامج لنحو 300 مستفيد دون سن الـ17 عاما. تتضمن هذه البرامج تمارين رياضية ورواية لقصص ذات مغزى لغرس روح المواطنة والشعور بالمسؤولية، ولتعريف المستفيدين بكيفية تشخيص المشاكل وإيجاد الحلول العقلانية والمنطقية لها.

طفل مقيّد بسلاسل

وعلى الرغم من أهمية العامل الاقتصادي، لكن أسبابا أيديولوجية وأحيانا حتى الرغبة بالاستقلالية وإيجاد هوية مستقلة عن الأهل تدفع الأطفال إلى المجموعات المسلحة.

أغرب الحالات التي صادفت درويش كانت حالة "الطفل المقيد بالسلاسل" الذي عثرت عليه القوات الأمنية أثناء عملية تحرير الموصل. قيّد الأهل ابنهم المراهق (15 عاما) بسلاسل بسلم منزلهم لكي يمنعوه من الانضمام إلى داعش.

"عند سؤال أهله قالوا إنه ذهب وبايع داعش، وكان ينوي الالتحاق بصفوف مقاتليه، لذلك اضطروا إلى تقييده".

وتؤكد درويش أن بعض الأطفال تم تسليمهم من قبل أهاليهم بعد تحرير المناطق. وتشير إلى أن "بعض العوائل وافقت على تجنيد أبنائها تحت التهديد بالقتل من قبل عناصر داعش".

وتهدف البرامج المقدمة للمجندين السابقين من الأحداث إلى التخفيف من عبء "غسيل الدماغ" الذي تعرضوا له.

"نحاول أن نعكس اهتمام الجهات الأمنية الإنساني، وكيف ترأف بهم وليس كما كان يصور لهم داعش"، تقول درويش.

لكن الموضوع يحتاج إلى إجراءات متكاملة، فإقامة هؤلاء الأطفال في سجن مكافحة الإرهاب مؤقتة ومقتصرة على فترة التحقيق الأولية، لذلك هم بحاجة إلى برامج تتناسب مع ما تعرضوا له، عند دخولهم الإصلاحية، وهذه هي "القضية الأساسية".

وتلفت الدرويش إلى أن التخوف بعد إطلاق سراحهم "هو من عودتهم لنفس الحاضنة التي تلقفتهم قبل دخولهم السجن، لا سيما إذا لم يتم التعامل معهم بشكل إنساني في فترة الحبس أو السجن".

جهود حكومية

هيئة رعاية الطفولة التابعة لمجلس الوزراء، بدورها، وضعت إجراءات بشأن موضوع تجنيد الأطفال، ضمن استراتيجيتها في "سياسة حماية الطفل"، بالتنسيق مع جهات مختصة أخرى.

ويقول ممثل وزارة الصحة في الهيئة محمد جبر إن الهيئة تحاول إعادة تأهيل الأطفال المجندين وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم.

"نركز على التوعية المضادة وإعادة المفاهيم، من خلال توعية العائلة والمجتمع حول ما زرعته عصابات داعش من ثقافة ورؤى".

وفي إجراءات تستبق تجنيد الأطفال عمدت هيئة رعاية الطفولة إلى "البحث في أسباب المتسربين من المدارس ومحاولة إعادتهم الى التعليم، وتقديم التقارير إلى الجهات المختصة"، وفقا لجبر.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.