شيوخ عشائر يشاركون في إحدى التظاهرات ببغداد/وكالة الصحافة الفرنسية
شيوخ عشائر يشاركون في إحدى التظاهرات ببغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي قيس:

حصل الطلاق أخيرا بعد أن دفع سيف محمد (37 عاما) خمسة آلاف دولار لعشيرة "استأجرها" أهل طليقته.

تبدأ قصة سيف (كما طلب الشاب تسميته) عندما تشاجر مع أهل زوجته، وطلبوا منه تطليق ابنتهم، لكنه رفض.

وفي أحد الصباحات، طرق أشخاص يرتدون الزي العشائري باب منزل الشاب في حي العامرية شمال بغداد، وأخبروه أنه "مطلوب عشائريا".

تقدم سيف بشكوى في مركز الشرطة. نصحه الضابط أن يحلّ الموضوع عشائريا مع استعداده لإكمال إجراءات الدعوى، لكن سيف تفاجأ عندما وجد الطرف الخصم قد استأجر شيوخ عشيرة.

ويقول "بعد البحث توصلنا إلى أن هؤلاء الخصوم ذهبوا إلى مكان يتم فيه تأجير وجهاء وشيوخ عشائر".

قبل هذا الحادث، لم تكن لعائلة سيف وعائلة زوجته ارتباطات عشائرية، العائلتان تقطنان في بغداد بعيدا عن الأعراف القبيلة.

إقرأ أيضا

الجلوة وعطوة الدم.. تعرف على النظام العشائري الأردني

"العطوة"

رضخ سيف للعطوة (مهلة زمنية تمنح للخصم العشائري قبل الجلوس في المحكمة العشائرية)، وقرر البحث بدوره عن عشيرة. "كان المعيار لدي قوة العشيرة التي سأؤجرها".

"تلقيت عروضا كثيرة"، يوضح سيف، فمبالغ إيجار الشيوخ ترتفع كلما كان الحل أسهل للمشكلة، كما يعتمد سعر الشيخ على "سطوته وحجم استجابة العشائر الأخرى لكلمته، بالإضافة إلى نفوذه داخل مؤسسات الدولة".

استقر به المطاف في ديوان منزل أحد الشيوخ من مدينة الصدر، الذي تكفل بحل المشكلة، مقابل مبلغ مالي قدره ربع مبلغ الفصل الذي سيدفعه سيف للعشيرة الخصم.

"والمفارقة أن العائلتين استأجرتا شيوخ عشائر شيعية"، كما يصف سيف المتحدر وزوجته من عائلتين سنيتين.

الفصل بدأ بمبلغ ضخم، 200 مليون دينار (ما يعادل 160 ألف دولار) لكنه انتهى إلى ستة ملايين (5 آلاف دولار)، بعد "مبارزة كلامية" بين الطرفين و"مهارة في رمي التهم على الآخر. ووصل الأمر إلى حد تهديدي بالقتل".

كانت هناك مصاريف أخرى تتضمن مبالغ الطعام وبطاقات شحن رصيد الموبايل (أجور الاتصالات) وأجور النقل لشيخ العشيرة والأشخاص الذين يرافقونه في جلسة الفصل، يضاف لها هدايا يطلبها الشيوخ المساعدون أو الثانويون الذي يحضرون في جلسة حل النزاع.

ويلفت الشاب سيف إلى أن "شيخي العشيرتين، الخصم والحليف، كانا متفقين مسبقا على الحل في اتفاقات مبطنة".

اشتراك العشيرة الشهري

بعد حل المشكل بالاتفاق على الطلاق ودفع سيف المبلغ للعشيرة الخصم، "بدأ الشيخ ينصحني بالانضمام إلى عشيرته، من خلال دفع مبلغ اشتراك شهري، حتى يقف معي في المشاكل".

لكن العرض كان مشروطا، فالعشيرة تتكفل بالتدخل في حل المشاكل البيضاء، كحوادث السير والشجار، وفق الوصف العشائري، دون التدخل في المشاكل السوداء، التي هي القتل والاغتصاب والاعتداء على حرمة المنازل ومخالفة قوانين الدولة، بحسب سيف.

يفكر الشاب سيف جديا بالانضمام إلى عشيرة الشيخ وليد لأن "المجتمع بدأ يتجه ويشجع هذا الاتجاه".

ويقول سيف "أغلب الشباب في بغداد بدأوا يتوجهون للانتماء إلى العشائر لضمان قوة إلى جانبهم بديلة لقوة القانون المعطلة"، مضيفا "عادة هؤلاء الشيوخ والوجهاء يمتلكون السلاح والنفوذ داخل مؤسسات الدولة".

تنامت ظاهرة العشائر المؤجرة كثيرا في الفترة الأخيرة.

يقول علي نعمة المكصوصي، شيخ عموم عشيرة المكصوصيين "هؤلاء ليسوا شيوخ عشائر أصلاء، يدعون أنهم شيوخ وهم ليسوا كذلك"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) في المحافظات الجنوبية هذه الظاهرة غير موجودة، بل يقتصر وجودها في بغداد، "بسبب ضعف الأواصر العشائرية لدى الكثير من العوائل".

ويقدم شيوخ العشائر الذين يعملون بالإيجار خدماتهم "لأي شخص، خصوصا من الذين لا ينتمون إلى قبيلة، أو المطرودين منها، أو الذين ابتعدوا وقطعوا علاقاتهم مع عشائرهم، أو ابناء الديانات الأخرى".

ويوضح المكصوصي المقيم في محافظة البصرة "في بغداد يستغل هؤلاء الشيوخ علاقاتهم بالعشائر الأخرى، إضافة إلى لباقة اللسان في حل المشاكل".

وقد تقتصر في بغداد أغلبية النزاعات على المشاكل العائلية والمالية، لكنها في المحافظات الجنوبية تصل إلى حد مشاريع كبيرة، "موضوع استثمار حكومي تنازعت عليه عشيرتان".

"الودّاي"

لكن الشيخ وليد المحمداوي وهو أحد الشيوخ الذين "يعملون" بحل الخلافات العشائرية، يعتبر أن ما يقدمه "خدمة لإنصاف الشريحة الضعيفة في المجتمع".

ويقول لموقع (ارفع صوتك) "الكثير من العشائر الآن فيها مسيحيون وصابئة، لأن نظام البلد اتجه نحو القانون العشائري".

ويسمى وضع سيف وأمثاله وفق المصطلح العشائري "الودّاي"، وهو الذي يطلب الود والتقرب إلى عشيرة ليست بعشيرته.

ويطلق على الشيوخ المستأجرين في الوسط العشائري اسم "مستحدثي النعمة".

وهم الأشخاص الذين يدعون انتماءهم إلى مشايخ العشائر من أجل استغلال موقعهم الاجتماعي في الحصول على مكاسب مالية، بحسب المحمداوي.

ويعتبر رئيس لجنة العشائر في مجلس النواب العراقي عبود العيساوي، ما يقوم به "مدعي المشيخة"، بأنه "نوع من حالات النصب والاحتيال".

ويقول العيساوي لموقع (ارفع صوتك) نحن كلجنة عشائر برلمانية إضافة إلى مديرية العشائر في وزارة الداخلية ولجنة العشائر في مكتب رئيس الوزراء "نعمل على مكافحة هذه الحالة وفق الأطر القانونية".

ويلفت العيساوي إلى أن "المشايخ معروفون ومعدودون، لكن الوضع العام في البلد أدى إلى بروز مدعي المشيخة، وهم بالحقيقة تجار مشاكل".

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.