الدمار الذي حل بمركز شباب الفلوجة/إرفع صوتك
صورة للدمار في الفلوجة/ارفع صوتك

الفلوجة – دعاء يوسف:

لا يتاح الدخول لمدينة الفلوجة إلا بالحصول على مجموعة من الموافقات الأمنية، بعد أكثر من عام على تحريرها من سيطرة داعش.

ورغم عودة العوائل النازحة في البلاد إلى مناطقهم وتسجيل المنظمة الدولية للهجرة حتى كانون الثاني/يناير ٢٠١٨ انخفاضاً بلغ (١٧٪) بأعداد نازحي محافظة الأنبار، ألاّ أن فكرة زيارتها بنظر سكان المحافظات العراقية الأخرى لا تزال مخاطرة قصوى.  

الانتقام والثأر

للتجوال في شوارعها، يجب مرافقة شخص تعرفه من سكانها، إذ يخشى الجميع من الغرباء الذين يدخلون المدينة بشكل مفاجئ خشية أن يكونوا من عناصر داعش.

يقول عامر غيث، من سكان المدينة، إنه بعد طرد داعش من المدينة يشعر كل من يسكنها الآن أنه مستهدف بشكل مباشر، لذا فإن القيود الأمنية المفروضة تخفف من قلق الناس، ولا سيما تلك التي فرضت على الزائرين من مختلف المحافظات العراقية.

ويتوقع أن أكثر ما يشغل الناس الآن هي مسائل تتعلق بالانتقام والثأر، لأن الكثيرين منهم لا يتقبلون الذين تورطوا بمساندة عناصر داعش وارتكبوا الجرائم بحق أهالي المدينة.

"صور القتل والغدر باسم الطائفية لاحقتنا كثيرا، لدرجة الاستفزاز وربما التهجم علينا، رغم أننا أبرياء ولا حول ولا قوة لنا"، يقول عامر الذي كان نازحاً ببغداد وعاد بعد انتهاء معارك تحرير الفلوجة. "لم يتركونا في حالنا إلاّ بعدما دمروا المدينة وعمّ الخراب كل شيء".

ويتابع "لقد دمر داعش المنازل والمباني ومعالم الشوارع. حتى البساتين والحدائق لم يتركوها على حالها".

وتذكر التقارير تدمير أكثر من ٢٥٠ ألف وحدة سكنية في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية لتحريرها من سيطرة داعش، وأن نسبة التدمير في بعض المدن وصلت إلى ٨٠٪، وبلغ متوسط الدمار أكثر من ٦٠٪ من عموم مدن الأنبار، و٨٥ جسراً، هذا فضلا عن تدمير البنية التحتية والخدمية.

بناء المنازل

ستعتاد عند التجوال في المدينة على العوائل التي تسكن بخيم قرب منازلها المهدمة وغيرها من اضطرت للسكن في هياكل منازلها.

لكن هناك صورة مغايرة وهي رؤيتك للكثير من الناس بعد عودتها من النزوح مشغولة بتعمير منازلها وبناء ما تهدم منها.

ويقول عثمان محمد، ٣٩ عاما، "الناس هنا يساعدون بعضهم البعض لاجتياز المحنة وعودة الحياة من جديد".

وفي شارع يزدحم بالسيارات، يجلس أبو عماد، أمام متجره لبيع مختلف الأجهزة الكهربائية وقطع الأثاث العراقي الصنع، آملا بزبون.

"الزوار الذين استقبلهم هم دوما من الباحثين عن تجهيز منازلهم بالأثاث والاحتياجات كافة بعدما عادوا لها من رحلة النزوح"، حسب ما يقول.

ويضيف أن إقبال الناس في المدينة على الشراء تزايد كثيرا عن الفترة التي سبقت ظهور داعش.

متجر أبو عماد كان مدمرا بسبب معارك التحرير، ولكن بمساعدة المقاولين والعاملين في البناء استطاع أصحاب المتاجر والمحلات الأخرى ترميمها وتعميرها بسرعة من دون حتى التفكير بدفع أجور الترميم مباشرة.

ويشير أبو عماد الذي كان نازحاً نحو أربيل حتى عودته مع عائلته لمدينته إلى أنه يحاول قدر المستطاع البيع بالآجل أو بالدين للزبائن. "تعاني الكثير من العوائل من عدم قدرتها على الشراء رغم حاجتهم الكبيرة، لذا نساعدهم بتقسيط تكاليف ما يقومون بشرائه".

ويستغل الحاج خليل المساحة المقابلة لمحله الذي أحكم إغلاقه لعرض الخضار. يقول الحاج - الذي ورث مهنة البقالة عن والده- إنه أغلق محله بعد عودته من رحلة النزوح، ولا يفكر بترميمه أو تعميره الآن، لأنه منشغل بزراعة أرضه التي يتوسطها منزله.

وكان خليل يبيع محصول الخضار الذي يحصده من أرضه، ولكن بعد سيطرة داعش على المدينة اضطر للفرار مع عائلته المتكونة من سبعة أفراد.

"سابقا كان مدخول بيع المحاصيل كثيرا، كان التجار يأتون إلينا ليطلبوها من بغداد وبعض المدن القريبة لبيعها في الأسواق".

ويشير إلى أن محله كان يزدحم بالمشترين والتجار الذين كانوا يتفقون على شراء المحاصيل الزراعية مقدما منه. "الآن بعد عودتنا للمدينة أحاول أن أرتب الأمور لتعود حياتنا كما كانت". 

أكثر ما يشد انتباهك في هذه المدينة هي أنها تبدو وكأنها خالية من النساء، فلا تصادفك امرأة تتسوق أو تتجول، وإن حدث ورصدت أحداهن، فهي متشحة بالسواد حتى أن وجهها مغطى بالكامل وفق تعاليم الشرع في الالتزام بارتداء الزي الإسلامي.

يعترف وليد سعد، وهو يدير مطعماً للأكلات الشعبية، أن امتناع النساء عن الخروج من المنازل دون رجل من عائلتها هي عادة قديمة ومتوارثة في الفلوجة، وحتى ارتداء الزي الديني كذلك، وتزايدت هذه المظاهر بعد ظهور داعش. 

"الآن، يحدث أن تشاهد بعض النساء مع عوائلهن في المطاعم وغيرها من الأماكن محجبات رغم ارتدائهن الموديلات العصرية، من هندامهن هذا نعرف أنهن كن يعشن ببغداد وتعلمن بعض عادات وتقاليد العاصمة".

قد يشعر الزائر بسبب القيود الأمنية المفروضة على المدينة وكثرة النقاط التفتيشية بعدم الراحة. يقول الحاج علوان جبر "بعد طرد داعش وتحرير المدينة تزايدت القيود الامنية والعشائرية على حراسة وحماية البيوت والمحلات خوفاً استهدافها".

ويضيف أن الكثير من الأمور والعادات التي كان الأهالي يحرصون على مزاولتها تغيرت، حتى المناسبات والأعراس صار الكثير من الناس يخافون الإعلان عنها وتحدث بسرية أحيانا.

"كنا في السابق نقيم الأفراح والأعراس بقاعات خاصة ومجهزة. الآن بعدما حدث يفضل الأغلبية أن تنحسر مناسباتهم فيما بينهم وبصمت خشية الاستهداف أيضا".

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.