في بداية سنة 2017، أصدرت محكمة مغربية في مدينة طنجة (شمال) حكما بحق طفلة مولودة خارج إطار الزواج في الانتساب إلى أبيها.
اعتمدت المحكمة على تحليلات اختبار الحمض النووي DNA، بعدما تقدمت سيدة أمام قضاء الأسرة بدعوى قضائية تقول فيها إن الأب رفض الاعتراف بابنته التي أنجبت خارج الزواج.
اعتبر الحكم حينها اجتهادا قضائيا تاريخيا، لكن محكمة الاستئناف في المدينة نفسها ألغته بعد أشهر من صدوره.
أريد نسبا
ترفض المحاكم في عدد من الدول العربية اعتماد الحمض النووي في إثبات نسب الأطفال المولودين خارج الزواج لآبائهم. وينسب الأطفال في هذه الحالة لأمهاتهم.
في الأردن مثلا، يقول قانون الأحوال الـشخصـية في المادة 157 "يثبت نسب المولود لأمه بالولادة". لكن بالنسبة للأب، يشترط القانون الزواج أو إقرار الأب بأبوته للطفل. ويمكن استعمال "الوسائل العلمية القطعية" شريطة أن تكون مقترنة بالزواج.
ويعفى الآباء من أي التزامات تجاه أطفالهم، مثل النفقة وتسجيلهم في دفتر العائلة، ومنحهم نصيبهم من الإرث في حال لم يثبت النسب.
تقول المادة 148 من مدونة الأسرة في المغرب "لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية".
يعرف الابن في هذه الحالة بأمه "لما بينهما من الحقوق المتبادلة كحق الميراث والحضانة"، تؤكد هيئة الإفتاء في الأردن.
وتقول الهيئة بوضوح إن "إثبات نسب الولد الناتج من علاقة غير شرعية غير وارد باتفاق الفقهاء، حتى لو أثبتت فحوصات البصمة الوراثية نسبه إليه".
ولا تقبل الهيئة استخدام الحمض النووي إلا في حالات التنازع على مجهولي النسب أو الاشتباه بين المواليد، أو ضياع الأطفال (بسبب الحوادث والحروب مثلا) أواختلاطهم (في المستشفيات مثلا).
ما ذنب الطفل؟
اعتمدت محكمة طنجة الابتدائية في "حكمها التاريخي" على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل التي وقعها المغرب، كاتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة والاتفاقية الأوروبية بشأن حماية حقوق الطفل، وفق ما نشر موقع "هيسبريس" المغربي بناء على نسخة من نص الحكم.
وتنص الاتفاقية الأممية على حق الطفل في معرفة والديه (المادة السابعة)، وعلى أن على جميع مؤسسات الدولة، بما فيها القضاء، مراعاة "مصالح الطفل الفضلى" في مختلف القضايا التي تنظر فيها (المادة الثالثة).
إضافة إلى ذلك، قالت المحكمة إن الدستور المغربي يؤكد أن على الدولة أن "تسعى لتوفير الحماية القانونية.. لجميع الأطفال.. بصرف النظر عن وضعهم العائلي".
لكن هذه الاجتهادات سرعان ما طواها النسيان بحكم محكمة الاستئناف.
وتتساءل الناشطة في مجال حقوق المرأة في الأردن إنعام العشا عن ذنب الطفل المولودين خارج مؤسسة الزواج. وتقول إن الفقهاء يستطعيون أن يجدوا اجتهادا لهذه المسألة كما وجدوه لمسائل أخرى أكثر تعقيدا.
وتطالب العشا بتعديل قانون الأسرة في بلادها ليمنح الأطفال خارج علاقة الزواج حقهم في النسب.
ويدوره، لا يرى نقيب المحاميين الأردنيين السابق سمير خرفان مانعا من إضافة نص على قانون الأحوال الشخصية لإثبات الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج.
يقول "إثبات النسب بالوسائل العلمية مثل البصمة الوراثية.. يحصن المجتمع ويضع والد الطفل امام مسؤوليته".
وتقول إنعام العشا إن النص الحالي في القانون الأردني لا يمكن ضحية جريمة الاغتصاب مثلا من إثبات نسب الطفل إلى أبيه الجاني حتى لو ثبت نسبه إليه علميا وذلك لاقتران الوسائل العلمية مثل فحص البصمة الوراثية بفراش الزوجية.
وتؤكد الناشطة الأردنية أن هذا "سينشئ جيلا لديه مشكلات نفسية نتيجة لارتكاب آبائهم جريمة وتخليهم عنهم استنادا إلى حكم القانون".