وصلت المذاهب الفقهية في القرن الثاني الهجري إلى أكثر من 50 مذهبا
وصلت المذاهب الفقهية في القرن الثاني الهجري إلى أكثر من 50 مذهبا

باستثناء مذهب واحد، لا يمكن للمرأة أن تكون قاضية. وفي جميع المذاهب لا يمكن لها أن تصبح وزيرة أو رئيسة دولة.

لكن "تولي المرأة هذه المناصب أصبح مطلوبا بل ضرورة وتعدى الاختيار"، يقول محمد عبد الوهاب رفيقي، الشيخ السلفي السابق.

بالنسبة لأبي حفص، الذي يعمل الآن باحثا في القضايا الدينية، الحل في أن تنفتح الدول على مذاهب غير مذهبها الرسمي. "لابد من الانفتاح على مذاهب أخرى.. ما يحصل من متغيرات يجعل المذهب (الذي تتبناه دولة ما) غير قادر على استيعابها".

وفي البحرين، عينت أول قاضية في 2006، وفي الإمارات في 2008، وأخيرا قطر في 2010. وقبلها، كانت المرأة قاضية في مصر العراق والمغرب وتونس، وغيرها.

هذا رغم أن ثلاثة مذاهب، هي المالكية والشافعية والحنبلية، لا تجيز تولي المرأة للقضاء. في مقابل ذلك، يجيز أبو حنيفة الأمر في حدود، ويجيزه بإطلاق ابن جرير الطبري وابن حزم.

في مصر، التي تعتمد المذهب الحنفي، تقول دار الإفتاء المصرية إنها "تسير على الجواز وعلى الإباحة للمرأة أن تتقلد منصب القضاء، بل أن تتقلد سائر الولايات في الدولة".

القفز على المذهب

في أبريل/نيسان 1988، أقر وزراء العدل العرب المجتمعون بالكويت مشروع قانون عربي موحد للأحوال الشخصية.

"كان مشروعا متطورا وغنيا بالاجتهادات أخذ من مختلف الاتجاهات المذهبية"، يقول الباحث المغربي في قانون الأحوال الشخصية والفقه المقارن محمد الصوالحي.

لم يعتمد المشروع على مذهب فقهي واحد، لكن تحفظ دول عربية حال دون تطبيقه.

حسب الصوالحي، تحفظت المملكة العربية السعودية التي تتبنى المذهب الحنبلي على القانون لأنه ينص على قضايا مثل "الوصية الواجبة".

والوصية الواجبة هي اقتطاع جزء من تركة الجد ومنحه للأحفاد بمقدار ما كان يستحقه والدهم لو كان حيا.

لا تنص أي من المذاهب الإسلامية الراهنة على الوصية الواجبة. وهي مأخوذة في الواقع من مذهب إسلامي منقرض هو المذهب الظاهري.

نشأ هذا المذهب في القرن الثالث الهجري، ويعتبر ابن حزم الأندلسي في القرن الخامس منظره الرئيسي، وإليه ينسب القول بالوصية الواجبة.

اليوم، تعتمد كثير الدولية الإسلامية الوصية الواجبة في مدونة الأحوال الشخصية، رغم أن أيا منها لا يتبنى المذهب الظاهري.

وكانت مصر التي تتبنى المذهب الحنفي أول دولة عربية تقر الوصية الواجبة عام 1946، ثم سورية (حنفية أساسا) في 1953، وتونس التي تتبع المذهب المالكي سنة 1956، والمغرب (مالكي) سنة 1958، إضافة إلى دول أخرى مثل الكويت، اليمن، الإمارات، العراق، السودان، الجزائر... إلخ.

البحث عن اجتهادات متقدمة

مكن الانفتاح على المذاهب الأخرى دولا إسلامية من تبني اجتهادات فقهية متقدمة لا توجد في المذهب الرسمي الذي تتبناه.

يقول الصوالحي إن الاستغناء عن العمل بمجلة الأحكام العدلية العثمانية المستمدة من المذهب الحنفي فتح هذا المجال أمام الدول الإسلامية. 

"كان النموذج السوري أهم تشريع حضر فيه الاجتهاد والخروج عن المذاهب. وهو ما أهله ليكون مصدرا رئيسيا للاقتباس في التشريعات العربية، خصوصا في مجال قضايا الأحوال الشخصية"، يقول الباحث المغربي.

ولاية المرأة في الزواج أحد أهم نماذج الاقتباس من خارج المذهب الرسمي للدولة.

ففي الوقت الذي اعتبرت فيه المذاهب الثلاثة، الشافعية والمالكية والحنبلية، موافقة "ولي الأمر" شرطا ضروريا لقبول الزواج، منح المذهب الحنفي للمرأة الحق في تزويج نفسها بنفسها دون حاجة إلى "ولي أمر".

حاليا، تمنح دول إسلامية لا تتبنى المذهب الحنفي هذا الحق للمرأة. ففي المغرب، خولت مدونة الأسرة لسنة 2004 المرأة عقد زواجها بنفسها، بعد أن كانت مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1958 تشترط موافقة الولي.

وفي تونس، تضمنت مجلة الأحوال الشخصية بنودا تمنح حق الولاية للمرأة في الزواج.

أما في مصر، التي تتبنى المذهب الحنفي، فلا تشترط مدونة الأحوال الشخصية الولي أصلا.

بشكل عام، تمثل القضايا المتعلقة بالمرأة أهم المجالات التي يتم اللجوء فيها إلى اجتهادات متقدمة في مذاهب أخرى.

قبل أسابيع، سمح المغرب للمرأة بتولي مهنة "العدل" (المأذون)، آخذا برأي المذهب الحنفي الذي يقبل أن تكون المرأة شاهدا على الزواج، في حين لا يسمح المذهب المالكي الذي يتبناه المغرب بذلك.

وفي أغلب الدول العربية، تولت المرأة مهنة القضاء والوزارة استنادا إلى اجتهادات في المذهب الحنفي عارض فيها بقية المذاهب.

أما رئاسة المرأة للدولة، أو ما يسمى فقهيا بـ"الولاية العامة"، فلا يقرها أي مذهب إسلامي باستثناء فرقة منقرضة من الخوارج، هي الشبيبية (نسبة إلى قائد عسكري وديني يدعي شبيب بن يزيد في القرن الأل الهجري) . ورغم ذلك، تولت المرأة رئاسة الدولة في بلدان إسلامية كبرى مثل باكستان.

يقول الحسين الراجي، الباحث في الدراسات الإسلامية، إن "المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها ليست دينا". ويتابع "لا شيء ثابت ولا يجب تقديس المذاهب الفقهية وإنكار الخروج عنها".

وبدوره، يقول الباحث المغربي أحمد عصيد إن المذهبية تقف عائقا أمام تطور المجتمعات.

"التقوقع المذهبي ليس في صالحنا ويجب أن يواكب دينامية الحياة، فكيف يمكن فرض الوصاية على المرأة مع العلم أنها أًصبحت في مراكز القرار ومنتجة للثروة؟"، يشدد عصيد.

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.