كان محمود معتادا على الفرار من المدرسة قبل انتهاء ساعات دوامه الرسمي، ليعمل في بيع الخضار والخردوات لتأمين دخل كاف له ولأسرته التي يعيش معها في مخيم الرصيفة، وسط الأردن.
خلال يوم دراسي، تعلم محمود طريقة إعادة تدوير بقايا الخبز لجعله علفا للحيوانات، وبعدها لم يهرب أبدا من المدرسة من أجل العمل. بات العمل يجري ضمن نطاق المدرسة.
يدرس محمود في عامه الأول في الجامعة اليوم، بعد أن اعتقد أن المدرسة ستكون آخر ما يراه من مراحل التعليم.
محمود ليس الوحيد الذي اشترك في مبادرة "الخبز من أجل التعليم" التي تدرب الطلبة الفقراء على مهارات إعادة التدوير مقابل أجور يستخدمونها للمعيشة والدراسة.
"بات الطالب يحصل على المنحة دون أن يشعر بتفضل أحد عليه، فهو نفسه يعمل معنا في الحملة ويساعدنا في جمع الخبز ويفر مصدر دخل خاص به"، يقول مؤسس المبادرة، عبد الرحمن الزغول، البالغ من العمر 28 عاماً.
استلهم الزغول فكرة مبادرته خلال مشاركته ببرنامج "القيادات العالمية البيئية" الذي عقد عام 2011 في هاواي، الولايات المتحدة الأميركية.
يركز البرنامج على صنع قيادات في المجال البيئي والتعليم. ويتيح الفرصة للمشاركين للاطلاع على تجارب من كافة الجامعات في مجال إعادة التدوير.
"لفت نظري التحدي الذي يواجهنا في الأردن. فلدينا أطفال يتسربون من التعليم نتيجة للفقر، ولدينا مشكلة بيئية في إعادة التدوير"، يقول مؤسس المبادرة لإرفع صوتك.
بدأ الشاب مبادرته عام 2013 بحملة استهدفت مناطق اللاجئين والمناطق التي تواجه مشاكل في الالتزام بالتعليم، فاختار منطقة الزرقاء، قبل أن يتوسع في محافظات الأردن المختلفة.
ويؤكد الزغول أن النقود العائدة من جمع الخبز تستخدم في دعم الطلبة الذين يعملون معهم، وغيرهم ممن يحتاجون الدعم في تعليمهم، "سواء كانوا لاجئين أم مهمشين. فالتعليم حق لهم".
في البداية، عمل الزغول مع مجموعة من المتطوعين على الترويج لفكرة المبادرة في المجتمع المحلي، وقاموا بتدريب خمسة معلمين في أربع مدارس، على أن يدرب كل منهم 25 طالباً في كل مدرسة، ليقوموا بدورهم بتنظيم عملية جمع الخبز في مواقعهم المختلفة.
بات الطالب يجلب الخبز الفائض من بيته نهاية كل أسبوع، ليتم تجفيفها وإعادة تدويرها ومن ثم تحويلها إلى أعلاف للمواشي يبيعونها إلى أصحاب المطاحن وتجار العلف. "في بعض المدارس لو جلب كل طالب نصف كيلوغرام فسنجمع 500 كيلوغرام من الخبز"، يقول الزغلول.
في 2014 طور الشاب مبادرته بتصميم آلة خاصة لطحن الخبز، بدلاً من تحمل تكلفة إعادة تدويره في معامل تجارية أخرى. "صرنا نطحن الخبز بأنفسنا، ونضيف له الفيتامينات والبروتينات، ومن ثم نبيعه، فأصبحت التكلفة أقل علينا، وتمكنا من توفير فرص عمل للشباب ليأتوا ويعملوا على هذه الآلة".
حتى هذا اليوم، وفرت المبادرة ما يزيد عن 1200 منحة دراسية، وأعادت حوالي 70 طفلاً إلى المدرسة، ووفرت أكثر من 120 فرصة عمل لطلبة محتاجين من أعمار وجنسيات مختلفة يقيمون في الأردن.
نظراً لما حققته المبادرة من نجاح وخدمات انعكست فائدتها على المجتمعات الأقل حظاً، قدمت إحدى الجامعات البريطانية لمؤسس المبادرة منحة ماجستير بتخصص إدارة أعمال في الريادة والابتكار، ليقوم بتطوير مبادرته وأفكاره بشكل أكبر.
كما حصلت المبادرة منذ إطلاقها على مجموعة من التكريمات، كان أبرزها:
- جائزة أفضل مشروع ريادي من المنظمة الدولية للشباب في الأردن في 2015.
- جائزة الإبداع العربي في دبي لعام 2016.
- جائزة أفضل مبادرة ريادة أعمال في الكويت لعام 2016.
- تكريم العاهل الأردني لمؤسس المبادرة بوسام الملك عبد الله الثاني للتميز نتيجة لجهوده الريادية في مبادرة الخبز من أجل التعليم عام 2017.
- جائزة أفضل مبادرة ريادة مجتمعية في دبي عام 2017.
وعقب نجاحها في الأردن، انطلقت المبادرة مؤخراً في كل من الكويت والمغرب وفلسطين، وسترى النور قريباً في المملكة المتحدة.
وحتى الوقت الراهن، تمكنت المبادرة من تدريب أكثر من 17500 طالب وطالبة على إعادة التدوير، لزرع ثقافة التدوير فيهم، والتعويل عليهم لنقلها إلى أقرانهم من الشباب.
تقول المتطوعة في المبادرة، ميسر اولبي (26 عاماً)، "في بداية أي خطوة تكون متردداً، كان لدينا تخوف من عدم نجاح المبادرة.. ولكننا تمكنا من تحقيق شيء وباتت المبادرة تعمل في أكثر من دولة".
تعرفت اولبي على المبادرة منذ بدياتها، وتلقت تدريباً كاملاً في إعادة تدوير الخبز، ما أهلها لتكون هي المدربة القادمة التي ستدرب المعلمات في مناطق جيوب الفقر المختلفة على آليات التدوير وجمع الخبز، ليقمن بتدريب الطلبة بدورهن.
وتحرص الشابة على توجيه رسالتها حول إعادة التدوير إلى العالم أجمع، بقولها "الأشياء التي نتخلص منها قد يكون لها دور كبير جداً.. لماذا لا نخصص مكاناً نجمع في هذه الأشياء في المدرسة والجامعة وكل مكان".