نساء عراقيات عاملات/وكالة الصحافة الفرنسية
نساء عراقيات عاملات/وكالة الصحافة الفرنسية

بغداد - دعاء يوسف:

كانت آلاء إحسان حبلى بطفلها الرابع حين فقدت زوجها إبان الاقتتال الطائفي عام ٢٠٠٦.

لو لم تكن موظفة، لما استطاعت تحمل مسؤولية أطفالها الأربعة.  

"العمل الوظيفي كان سندا في إعالة أطفالي اليتامى دون أن نحتاج لمساعدة أو مذلة، لقد حفظ كرامة أطفالي"، تقول آلاء.

فقدان النساء لأزواجهن في العراق بسبب الحروب والطائفية وحوادث التفجيرات الإرهابية اضطرهن لإعالة أنفسهن وعوائلهن.

وفي العام ٢٠١١، كان في البلاد قرابة ثلاثة ملايين امرأة معيلة بحسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

الفتيات الصغيرات

عندما بدأت زهراء تعمل من منزلها قبل ١٠ أعوام، عرفت أنها ستواجه الكثير من التحديات، إذ باتت تقضي وقتا أطول مع الزبونات الراغبات بتزيين الوجه أو قص الشعر في نفس الوقت الذي تشرف فيه على رعاية أمها المصابة بالشلل. 

وفي منزلها المكون من غرفتين حولت إحداهما إلى محل لصالون لتجميل وقص الشعر، تقول الشابة التي لم يتجاوز عمرها ٢٧ عاما إنها اضطرت للعمل بعد مقتل والدها إبان الطائفية عام ٢٠٠٦ لتوفير المبالغ الكافية لعلاج والدتها وايجار البيت ولقمة العيش.  

في نظرها، مهنة تزيين النساء لا تصلح لفتاة غير متزوجة. "المجتمع لا يرحم، ونظرته سلبية تجاه المرأة التي تعمل بهكذا مهن، وخاصة غير المتزوجة". 

وتضيف "لكن لم يكن غير هذه المهنة أمامي للتخلص من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقي".

"كان العمل في صالونات التزيين يقتصر على المتزوجات، لكن أموراً كثيرة قد تغيرت بعد عام ٢٠٠٣ إذ صار عمل الفتيات الصغيرات معتاداً عليه في الصالونات للتغلب على صعوبة المعيشة".

تقول إن سنوات الاقتتال الطائفي دفعت الكثير من النساء للعمل بسبب فقدان المعيل لهن.

أظهرت نتائج مسح الأمن الغذائي في وزارة التخطيط نهاية عام ٢٠١٦ أن عدد الأرامل في البلاد باستثناء محافظتي نينوى والأنبار وأقضية الحويجة في محافظة كركوك وبيجي والشرقاط في محافظة صلاح الدين، قد وصل إلى ٨٧٨ ألفا و٤٥٥ أرملة.

خياطة الملابس

تفاصيل حياة علياء أمين، ٤٧ عاماً، لا تختلف كثيرا عن غيرها من النساء اللواتي دفعهن الفقر وفقدان المعيل لتوفير قوت يومهن.

عملت هذه السيدة في خياطة الملابس ببيتها، "كنت وقتها أعيش أياماً صعبة لأنه كان واجباً عليّ تربية بناتي الستة وتوفير إيجار البيت".

انفصلت علياء عن زوجها "لأنه كان يرغب بالزواج من امرأة ثانية بحجة الولد، لأني لم أنجب له غير البنات".

لقد كان أمامها خياران آنذاك، إما العيش مع زوجته الجديدة برضا، أو الطلاق منه ومواجهة صعوبة المعيشة من سكن وتربية البنات وغير ذلك، وهو ما اختارته.

كانت النفقة التي يوفرها طليقها لبناته تنفذ بسرعة. "الأموال قليلة ولا تكفينا لأسبوع، لذا لم يكن أمامي سوى العمل في خياطة الملابس لنعيش". 

وتشير إلى أنها رغم عملها هذا، ما زالت تشعر بعدم قدرتها على توفير الاحتياجات كافة.

"أحيانا أكون بحاجة لتوفير بعض المال لدفع إيجار البيت أو لمراجعة طبيب، فأضطر للخياطة بأجور أقل حتى أكسب الكثير من الزبائن وبالتالي أوفر ما أحتاجه من مصاريف وإن كان على حساب صحتي".

وزارة التخطيط

وأظهرت الدراسات الدولية وكذلك دراسة أوضاع النساء العراقيات اللاتي يرأسن أسر أن الأسر التي ترأسها امرأة تكون أكثر عرضة للفقر من تلك التي يرأسها رجل.

ويعتبر مدير إعلام وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي التفاوت بين الجنسين في الحصول على الموارد الاقتصادية هو التحدي الأكبر في ذلك، وبالرغم من صعوبة قياس كيفية إنفاق أو استهلاك كل فرد داخل الأسرة المعيشية لكن يجب الأخذ بنظر الاعتبار جنس أفراد الاسرة.

وحتى آخر نتائج المسح الاجتماعي للأسرة لغرض تنفيذ أجندة خطة التنمية المستدامة (٢٠١٥-٢٠٣٠) بلغ متوسط دخل الأسرة الشهري في العراق بشكل عام (١٥٩٧.١) ألف دينار عراقي.

أما على مستوى جنس رأس الأسرة بلغ متوسط دخل الأسرة التي ترأسها امرأة (١٤٩١.١) ألف دينار عراقي/شهريا مقارنة بمتوسط دخل الأسر التي يرأسها رجل (١٦١١.١) ألف دينار عراقي/ شهرياً، بحسب الهنداوي.

  ​ويعزو الفجوة في الدخل بينهما إلى ميل النساء للعمل المنزلي أو الوظائف ذات المردود الاقتصادي الأقل.  

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.