فتيات يمنيات نازحات/وكالة الصحافة الفرنسية
فتيات يمنيات نازحات/وكالة الصحافة الفرنسية

فقد يونس الصبري، وهو طفل يمني في الحادية عشرة من عمره، ساقيه ويده اليسرى وإحدى عينيه إثر سقوط قذيفة على منزل عائلته في مدينة تعز منتصف العام الماضي.

“أصبحت حبيس البيت طوال الوقت، حياتي تدمرت”، قال يونس الذي تحدث عبر الهاتف من مدينة تعز جنوبي غرب اليمن.

وأضاف “الوجع لا يفارقني لحظة، ما زالت عيني تؤلمني من آثار بقية شظية”.

“توقفت عن التعليم. الموت أهون من هذه العيشة”، تابع الطفل قبل أن يجهش بالبكاء، وهو يروى ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم الذي سقطت فيه القذيفة على منزلهم وأودت أيضا بحياة خاله شقيق والدته.

واشتكى يونس من عدم حصوله على أطراف صناعية تساعده على الاستمرار في الحياة، نتيجة لعدم توفر الإمكانيات لدى المركز الوحيد المتخصص بالعلاج الطبيعي والأطراف الصناعية شبه المتوقف بمدينة تعز.

حاجة ماسة للمساعدات

لا يكاد يمر يوم في اليمن دون أن يسقط فيه طفل قتيلاً أو جريحاً على الأقل جراء النزاع الدامي الذي يمزق البلد العربي الفقير منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وتذهب آخر التقديرات الأممية إلى أن هناك نحو 11.3 ملايين طفل في اليمن بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة.

ويعاني أكثر من 2.2 مليون طفل من سوء التغذية، فيما هناك نحو مليوني طفل باتوا مشردين خارج المدارس بسبب تداعيات الحرب.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” إن "جيلاً كاملاً من أطفال اليمن يكبر دون أن يعرف شيئاً سوى العنف، وهو ما سيخلف لديهم جروحاً نفسية مدى الحياة”.

تداعيات خطيرة

ويحذر أطباء نفسيون محليون من تداعيات مستقبلية خطيرة على نفسية الأطفال الذين تعرضوا لانتهاكات مباشرة أو غير مباشرة في الحرب القائمة.

يقول الدكتور علي وهبان، وهو استشاري علم النفس العيادي والعلاج النفسي “عادة يغلب على هؤلاء ميل شديد للعنف والانتقام والعدوانية، فضلاً عن الشعور بعدم الاستقرار، واضطرابات النوم والتبول اللاإرادي والقلق والكآبة والحزن والخوف والشرود الذهني، وضعف الذاكرة”.

ومن بين الأطفال الذين تعامل معهم سرد الدكتور وهبان قصة الطفلة بثينة الريمي (خمس سنوات)، الناجية الوحيدة من أسرتها التي قضت (والديها وأربعة أشقائها) بغارة جوية خاطئة لطائرات التحالف بقيادة السعودية على منزلهم بالعاصمة صنعاء نهاية أغسطس الماضي.

 “عندما كنت أعالج بثينة كان أهلها يخبرونها أن والديها وأشقاءها ذهبوا إلى الجنة، وعندما سألتها أنا هل تريدين الذهاب إلى الجنة؟ قالت لا أريد الجنة.. من خلال جلوسي مع أطفال ضحايا اكتشفت حجم المأساة لديهم خاصة أولئك الذين شاهدوا أشلاء أقاربهم..”.

“للأسف لا توجد مراكز مختصة بتأهيل هؤلاء، هناك منظمات دولية قدمت دعماً نفسياً واجتماعياً محدوداً، لكنه لا يساوي حتى 10 في المئة مما هو مطلوب” أكد الدكتور وهبان لموقع (ارفع صوتك).

قائمة سوداء

ومطلع أيلول/سبتمبر الماضي، أدرجت الأمم المتحدة قوات التحالف الذي تقوده السعودية على قائمة سوداء لمنتهكي حقوق الأطفال في اليمن، وحملتها المسؤولية عن “مقتل وإصابة 683 طفلاً يمنياً واستهداف عشرات المدارس والمستشفيات” خلال عام 2016.

وشملت القائمة السوداء، جماعة الحوثيين وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ومسلحين موالين للحكومة وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

وذكر التقرير الأممي أن الحوثيين والمقاتلين المرتبطين بهم أوقعوا 414 طفلاً ما بين قتيل وجريح في العام 2016.

اقرأ أيضاً:

قتل 52 شخصا خلال 4 أشهر: بعد الكوليرا.. وباء الدفتيريا في اليمن

معاناة وأرقام

تقول أسمهان علي، وهي طبيبة في مستشفى الثورة بمدينة تعز (جنوبي غرب اليمن) إنهم يستقبلون كثيراً من الأطفال الضحايا الذين يسقطون يومياً في هذه الحرب.

أضافت لموقع (ارفع صوتك) “في كثير من الأحيان نعجز عن تقديم الخدمة الصحية اللازمة لهم نتيجة لانعدام الإمكانيات”.

“قبل أسابيع استقبلنا طفلاً أصيب برصاصة قناص، بالكاد استطعنا أن نوفر له الدم اللازم لإبقائه حياً”، تابعت الطبيبة التي تعمل في مختبر المشفى الحكومي الأكبر بالمدينة المضطربة منذ أربعة أعوام.

وتفيد تقارير محلية ودولية متطابقة بأن 2.3 مليون طفل وطفلة في اليمن محرومون من الرعاية الصحية، فيما يموت طفل كل 10 دقائق بأمراض يمكن الوقاية منها.

ويشكل الأطفال حوالي 55 في المئة من إجمالي 3 ملايين نازح أجبروا على مغادرة ديارهم بعيداً عن مناطق المواجهات خلال السنوات الماضية.

كما خطف الصراع آلاف الأطفال إلى جبهات القتال.

وضع كارثي

يؤكد أحمد القرشي، وهو رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة (منظمة مجتمع مدني)، أن “وضع الأطفال كارثي بكل المقاييس”.

ويرى أن الاشكالية الكبرى تكمن في أن آثار العنف تزداد يوماً بعد يوم بينما المعالجات متدنية جداً أو غائبة “خاصة فيما يتعلق بالتأهيل والدعم النفسي والاجتماعي”.

أضاف لموقع (ارفع صوتك) “للأسف المنظمات الدولية تهتم بالغذاء والمأوى فقط”.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.