بعد عودتها إلى مناطقها، اختارت بعض الأسر الأشد فقرا تشغيل الأطفال لكسب الرزق أو تزويج الصغيرات للتخلص من مسؤوليتهن، عوضا عن إرسالهن إلى المدرسة، فضلا عن أن العديد من الأطفال قد أرغموا على القتال أو المشاركة في حرب تركت واحدا من بين كل أربعة أطفال يعاني من تبعاتها.
جاء هذا التأكيد في تقرير أعدته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) عن وجود أربعة ملايين طفل بحاجة للمساعدة في العراق بعد سنوات العنف والنزاع.
منذ انتهاء معارك تحرير المدن العراقية من سيطرة داعش، ركزت الجهود الحكومية المتعلقة بالتعليم على افتتاح المدارس بعد إعمارها.
لكن هل سيدفع وجود المدارس جميع التلاميذ وتحديدا الفتيات للالتحاق مجددا بمقاعدهم الدراسية؟
المسح الوطني للنازحين
ويبدو أن الفتيات هن الأكثر تضررا فيما يتعلق بالالتحاق بالتعليم إذ أظهرت نتائج المسح الوطني للنازحين في العراق عام 2014 أن أكثر من ربع النازحين بعمر ست سنوات قد التحقوا بالتعليم، ومؤشر التكافؤ بين الجنسين يشير إلى تفوق الذكور على الإناث في الالتحاق بالتعليم بدرجة كبيرة.
ويقول مدير إعلام الوزارة عبد الزهرة الهنداوي إن أوجه عدم المساواة بين الذكور والإناث مرتبطة بعوامل اجتماعية واقتصادية وهي حالة عامة في المجتمع العراقي، ولا تقتصر على مجتمع النازحين.
ويشكل النازحون الذين لم يلتحقوا أصلا بالتعليم 12.6 في المئة، وتبقى نسبة الإناث هي الأعلى (17.4 في المئة) وبأكثر من الضعف مقارنة بنسب الذكور (7.7 في المئة).
ويشكل النازحون من محافظة نينوى ممن تركوا الالتحاق بالتعليم بسبب النزوح أعلى نسبة مقارنة بالمحافظات الأخرى التي حصل فيها النزوح إذ بلغت 37.2 في المئة، وهم أيضا يشكلون النسبة الأعلى في المحافظات التي نزحوا إليها وهي كربلاء والنجف.
ويعتبر الهنداوي السبب المادي هو الدافع القوي والمؤثر لحرمان النازحين من فرص الالتحاق بالتعليم. وبالرغم من أن التعليم مجاني في العراق إلا أن الأفراد في الأسر الفقيرة يواجهون ضغوطاً من أسرهم لترك التعليم والاتجاه للعمل لسد الاحتياجات الأساسية وضمان الاستمرار بالعيش.
وعن أوجه التفاوت بين الجنسين في ترك التعليم بسبب النزوح، تشير بيانات وزارة التخطيط إلى اتساع الفجوة بين الذكور والإناث، فمقابل 37.1 في المئة من النازحين الذكور الذين تركوا التعليم في الفئة العمرية (6-11) سنة هناك 60.6 في المئة من الإناث.
وبلغت نسبة الإناث اللواتي تركن مرحلة التعليم المتوسط 23.9 في المئة وهي أكثر من الذكور، وشكلت نسبة الإناث اللواتي تركن مرحلة التعليم الإعدادي من النازحين بعمر (15 - 17) سنة في بغداد 16.5 في المئة.
فقدان المعيل والفقر
وحسب آخر إحصائية لمحكمة شيخان في محافظة دهوك فقط، فقد وصل عدد عقود الزواج بين نازحات قاصرات ورجال مسنين إلى 1400 حالة زواج.
يقول الخبير الاجتماعي ياسر حميد إن فقدان المعيل والفقر والتشريد بسبب داعش دفعت الكثير من العوائل إلى تزويج بناتها القاصرات.
"هذا يعني بطبيعة الحال حرمانهن من فرص التعليم، بينما عوائل أخرى دفعت ببناتها إلى العمل عوضا عن الدراسة".
ويعتقد حميد أن "الكثير من العوائل قد واجهت بسبب هذه الحرب مشاهد قاسية تتعلق باختطاف الفتيات وتعذيبهن واغتصابهن وقتلهن، لذا فهي تجد في تعليم الفتاة مهمة صعبة ومخيفة، وتعتقد أن المحافظة عليهن توجب إبعادهن عن التعليم".
حميد يضيف في حديثه لموقع (ارفع صوتك) أنه "لم يعد من السهل تعليم الكثير من الفتيات بعد هذه الأحداث".