منذ حوالي نصف عام، اعتاد عمار الزريقي، وهو أديب وشاعر يمني شاب، كتابة منشورات سياسية على صفحته الشخصية في “فيسبوك” بلغة بسيطة ساخرة ولاذعة تحت اسم “حزب الوزف”، لكن لم يكن يخطر في بال الشاب الثلاثيني أن يتحول هذا الوسم لمظلة تنظيمية افتراضية لمئات الشباب المتذمرين من الوضع العام في اليمن.
و“الوزف” هو نوع من الأسماك الصغيرة الحجم التي يتم اصطيادها من البحر وتجفيفها وتمليحها وبيعها للمستهلك الذي يقوم بتنظيفها وسحقها واستخدامها كإدام في بعض الأكلات الشعبية في اليمن.
يقول عمار الزريقي الذي يصفه رفاقه بـ“الزعيم” إن الفكرة كانت مجرد “مزاح عبثي وسخرية من الواقع ونقد لاذع للأداء المخزي للمكونات السياسية اليمنية”.
أضاف الزريقي (36 عاماً)، وهو خريج لغة إنكليزية، يعمل حالياً مترجماً في مجال الإعلام “من سياق التفاعل، اتضح لنا أن الواقع مهيأ للشغل الجاد ووجدنا الناس يدفعوننا بكل قوة لتأسيس الحزب في الواقع”.
“الجميع هنا يطمح ويطمع في وطن بلا حيتان”، تابع الزريقي ساخراً في إشارة إلى الزعماء السياسيين وقوى النفوذ التقليدية القبلية والعسكرية والدينية التي قادت البلاد إلى ما هي عليه اليوم من الفوضى والدمار.
وأشار إلى أنه من هنا جاء استخدام لفظ “الوزف”، هو السمك الصغيرة الذي يكون عادة فريسة للحيتان الكبيرة، في دلالة رمزية تمثل “المظلومين والكادحين والمسحوقين من البشر”.
منبر
ومع تصاعد موجة القمع والتنكيل والتضييق على الحريات العامة عقب انزلاق اليمن في دوامة العنف والصراع قبل أربع سنوات، لجأ كثير من الصحفيين والناشطين السياسيين والحقوقيين لوسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن تذمرهم بسخرية لاذعة من الحالة المأسوية المريعة التي تعيشها البلاد.
“مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت منبر الناشطين والمدونين والصحفيين وغيرهم للتعبير عن آرائهم ومواقفهم وقوتهم وفضح الفساد ونقد الإشكاليات التي تحدث جراء الحرب، بعد أن تم حجب كثير من المواقع الإخبارية والصحف والمدونات”، قال نبيل الأسيدي، وهو عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين، وأحد أبرز المدونين الناشطين في مجال مكافحة الفساد.
سخرية
من جانبه، يقول الدكتور قائد غيلان، وهو أكاديمي يمني وناشط بارز في مواقع التواصل الاجتماعي، “بسبب إغلاق الصحف والمواقع الإلكترونية، والقمع والتضييق، وجد الكُتاب أنفسهم في مواجهة حقيقية مع الرعب والموت”.
أضاف “كان لابد من الهروب من الجديّة المكشوفة إلى السخرية المريرة اللاذعة، وذلك لكي يقول الكاتب ما يريد دون أن يتعرض للعنف والإرهاب”.
الدكتور غيلان أكد أن فكرة “حزب الوزف” تمزج بين الجديّة المفرطة والسخرية وبين العمق الفلسفي والنكتة. “لكن من المؤكد أنها ليست مجرد مزحة عابرة..”.
ويتفق مع ذلك عبدالرحمن الغابري، وهو فنان ومصور فوتوغرافي يمني شهير، قائلاً إن “الكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي سواء بأسماء مستعارة أو وهمية أو صحيحة، أصبحت هي المتنفس الوحيد المتبقي للناس وللصحفيين بالذات في ظل حجب ومنع الصحف، والفراغ الكامن في النفوس”.
ويرى الغابري، وهو أيضاً المدير التنفيذي لمؤسسة الهوية اليمنية (منظمة مدنية)، أن "تشكيل أحزاب شبابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي غير مكلف، وأجد نفسي مؤيداً لهذا التيار الشبابي الطامح لتغيير الخارطة السياسية اليمنية البالية التي أضحت عبئاً على الشعب”، على حد تعبيره.
كسر لأدوات القمع
يقول سعيد العسالي، وهو مهندس مدني، إن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تمثل كسراً لكل أدوات القمع للحريات الصحفية، ومن خلالها استطاع الشباب التغيير والتأثير الفعلي على القرار السياسي ومكافحة الفساد أو الحد منه.
“رأينا كيف اسقطت قرارات جمهورية ووزارية بسبب موجة الاحتجاج الشبابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، على حد قوله.
أضاف العسالي، وهو أيضاً أحد مؤسسي حزب الوزف، “نحن الآن بصدد الإعلان عن الحزب وعقد اجتماعاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي لعدم تمكننا من إنجاز ذلك عبر الطرق التقليدية، من خلال هذه الوسائل أدرنا حلقات نقاشية بين مؤسسي الحزب وتشكيل لجان مختلفة لعدة مهام تم إنجازها بنجاح”.
لائحة مالية
ويوجد في اليمن 42 حزباً وتنظيماً سياسياً، منها 20 حزباً تم تسجيلها منذ العام 2011، حسبما أفاد بجاش المخلافي، وهو سكرتير لجنة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية (الجهة الإدارية المختصة بمنح تراخيص إنشاء الأحزاب).
ويشترط القانون اليمني للحصول على ترخيص إنشاء حزب سياسي، التقدم بطلب إلى لجنة شؤون الأحزاب يشتمل على توقيعات ما لا يقل عن 75 مؤسساً من الذكور والإناث يمثلون أغلب محافظات البلاد، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 2500 عضو وقت التأسيس.
كما يتوجب أن يكون لدى الحزب نظام داخلي، وبرنامج سياسي ولائحة مالية ومقر.