امرأة تحضر قداسا في كنيسة ببغداد/وكالة الصحافة الفرنسية
امرأة تحضر قداسا في كنيسة ببغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

قبل أيام في شمال بغداد، عُثر على جثة صائغ للذهب بعد اختطاف دام ثلاثة أيام.

جثة الصائغ الذي ينمتي للديانة المندائية عبود شاكر عُثر عليها في منطقة الشعب بعدما تعرّض للتعذيب والطعن بالسكاكين وبعدما نُهبت محتويات محله التي تعادل قيمتها 5 كيلو من الذهب.

لم تكن هذه الجريمة الوحيدة التي استهدفت الأقليات في بغداد، بل الثالثة منذ بداية شهر آذار/مارس الجاري.

وقبلها، تسلل مجهولون لمنزل عائلة مسيحية وقتلوا الطبيبة شذى مالك دانو وزوجها الطبيب هشام شفيق مسكوني ووالدتها خيرية داوود، الذين سبقهم أيضا مقتل شابين من أبناء الديانة المسيحية، في منطقة النعيرية ببغداد.

وعلى الرغم من أن الدوافع الظاهرة لهذه الجرائم تبدو السرقة، لكن المجتمعين المحلي والدولي ربطاها باستهداف الأقليات.

ودعا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش الحكومة العراقية لاتخاذ خطواتٍ فاعلة لدعم وحماية الأقليات في ظل هذه الجرائم. وحثّ كوبيش القادة والسياسيين وعامة الناس على الدفاع عن زملائهم "المواطنين الضعفاء".  

منذ 2003...

وتعرّض المسيحيون في بغداد لاعتداءات مختلفة ذكر القس مارتن بني أنّها بدأت مع تفجير الكنائس عام 2004 واستمرّت مع مجزرة سيدة النجاة عام 2010 ومع عمليات اغتيال رجال الدين المسيحيين في العراق وصولا إلى تهجير داعش للمسيحيين من مناطقهم في سهل نينوى والجرائم التي ارتكبها بحقهم.

ويمثل المسيحيون واحداً من المجتمعات القديمة في هذا البلد، والتي يعود تاريخها إلى الأيام الأولى للمسيحية وبلاد ما بين النهرين. وقد تضاءل حجم هذا المجتمع الأصلي بشدة.

ووصف القس مارتن جريم قتل الطبيب وعائلته بأنها "ضد الإنسانية".

"قتل شاب وعائلته في وضح النار لأسباب أقل ما يقال عنها أنها غير إنسانية"، قال مارتن.

ودعا رجال الدين المسلمين إلى ردود أفعال أقوى وتجديد الخطاب الديني. وشدّد على ضرورة تعديل الدستور في بغداد وتغيير الفكر "من فكر ديني إلى فكر إنساني".

وتوجّه برسالة إلى المجتمع العراقي قائلا "عليك أن تحترم إيماني. أنا لست كافرا. أنا إنسان أؤمن بالله".

تثير الرعب بيننا

 وقال أركان عادل، وهو مسيحي يدير محلا للنجارة ببغداد، إنّ "القاتل منذ العام 2003 واحد في كل الجرائم التي ارتكبت بحق الذين لا ينتمون للديانة الإسلامية".

"كلما يتعرض أحد أبناء الطائفة لجريمة قتل تبررها الجهات الأمنية بأنها جنائية غاياتها السرقة حتى لا تثير الرعب بيننا".

"هناك احتمالات تكاد تكون مؤكدة عن قتل أبناء الأقليات الدينية المختلفة في البلاد بحجة السرقة"، على حد قوله.  

وأشار إلى أن ما حدث مؤخراً يدفعه لترتيب أموره واستعداده للهجرة. "البعض منا لم يكن يرغب بالهجرة، ولكن الأحداث الأخيرة أعادت لهم ذكريات قديمة ومؤلمة، وصاروا يفكرون بجدية الهجرة من البلاد".

ضحية غير مسلمة

وبات ارتباط قتل الشخص الصابئي أو المسيحي بمفهوم جرائم السرقة حجة مرفوضة من قبل أبناء الديانات المختلفة في المجتمع العراقي.

وتقول حسنة سالم، 59 عاماً، "دائما تقف أجهزة الأمن عاجزة أمام استهداف أبناء الديانات المختلفة وخاصة الصابئة المندائيين، فحتى هذه اللحظة لم أسمع يوما عن اعتقال مجرم أو قاتل استهدف ضحية غير مسلمة".

حسنة التي تعمل محامية تعتقد أن في معظم حالات القتل بعد عام 2003 يتعرض الضحايا إلى الذبح والتمثيل بجثمانهم. 

وتتساءل "لماذا يلجأ المجرم إلى تعذيب الضحية وذبحها والتمثيل بجثتها، إذا كانت غايته السرقة، هذا إذا تورط بفعل القتل؟". 

العار والذنب

ويشعر عدنان راضي، وهو مسلم تجاه ما يحدث من اغتيالات وجرائم بحق الأقليات الدينية المختلفة بالعار وبالذنب. 

ويقول في حديث لموقع (ارفع صوتك) " كلنا نعلم أن ما يحدث للأقليات الدينية في البلاد هو لتحقيق مكاسب سياسية ومنافع سلطوية".

ويضيف أن على كل مسلم الآن "حماية جيرانه ورفاق عمره من أبناء الديانتين الصابئة والمسيح، لنساهم في إيقاف استهدافهم ونساعدهم على البقاء معنا".

وتعرض أبناء الطائفة المندائية بعد 2003 إلى التهجير والخطف والقتل بسبب الانتماء الديني ولم يتبق منهم غير 3000 صابئي موزعين في مختلف المدن العراقية، بحسب النائب عن طائفة الصابئة في البرلمان، حارث الحارثي.

وضوح الأدلة الجنائية

ويقول رئيس الطائفة المندائيين الشيخ ستار جبار الحلو في بيان أصدره قبل أيام عقب اختطاف الصائغ وقتله إنّ "الجريمة واحدة من سلسلة الجرائم العديدة التي ارتكبت بحق أبناء الطائفة والتي لم يتم الكشف عن أي منها منذ عام 2003، رغم وضوح الأدلة الجنائية".  

ويعتقد الحلو أن القتل المنظم والهادف لأبناء المكونات الدينية قد أدى إلى هجرتهم بحثاً عن أمان افتقدوه في بلدهم الأم بين ليلة وضحاها.

وطالب رئيس الوزراء ووزير الداخلية والأجهزة الأمنية بحماية أبناء الطائفية وخاصة عائلة الضحية بعد تلقيهم لتهديدات بالتصفية الجسدية.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.