قمرية/ارفع صوتك
قمرية/ارفع صوتك

يتخذ غالب النوار، وهو حرفي يمني في منتصف العقد الخامس من العمر، من رصيف شارع فرعي أمام محله الصغير شمالي العاصمة صنعاء، مكاناً لتجفيف وعرض مجموعة من “القمريات” التي انتهى من صناعتها وزخرفتها يدوياً بطريقة فنية مذهلة.

ويستخدم غالب النوار، الذي ورث هذه الحرفة اليدوية عن أبيه، بدرجة أساسية مادة الجص والزجاج الملون في صناعة “القمريات”، وهي عبارة عن قطع مزخرفة نصف دائرية تعلو النوافذ في الواجهات الخارجية للمنازل والمباني اليمنية بصورتها الحداثية، بينما كانت دائرية كاملة أو على شكل مستطيل مدور في المباني التاريخية بمدينة صنعاء العريقة.

قمريات بعضها قبيل تثبيت الزجاج فيها من صناعة النوار/ارفع صوتك

​​

“نقوم بخلط مادة الجص بالماء، ثم نصبه على لوح خشبي بمقاسات معينة، ونبدأ باستخدام آلة ‏الفرجار لرسم الشكل المطلوب على الجص أو بالنقش عليه يدوياً أو بواسطة قوالب معدة سلفاً، قبل أن نقوم بعملية النحت باستخدام السكين. وبعد ذلك يتم تجفيف القمرية في الشمس لمدة يومين”، قال النوار، الذي يشتغل في هذه المهنة منذ أكثر من 20 عاماً.

أضاف “يلي ذلك مرحلة تقطيع الزجاج بألوانه المختلفة وتثبيته عليها”.

الأثرياء

وتعتبر القمريات من أبرز الوحدات الفنية الجمالية في العمارة اليمنية.

“المنزل بدون قمريات ليس منزلاً”، أكد عبدالله الكبسي، وهو مواطن يمني خمسيني، بينما كان يتناقش مع مالك إحدى محلات صناعة القمريات حول المقاسات والأشكال الزخرفية التي يريدها لمنزله الحديث، قبل أن ينقده مبلغاً من المال كجزء من تكاليف عمله.

واجهات خارجية لمبنيين في صنعاء القديمة/ارفع صوتك

​​

ويوضح الكبسي “الألوان التي تعكسها القمريات من أشعة الشمس إلى الداخل جميلة جداً. أشعر من خلالها (القمريات) أنني أحافظ على تراث بلدي”.

وبحسب المشتغلين في صناعة “القمريات”، تتعدد الأشكال الزخرفية، اعتماداً على موهبة وخيال الحرفي وطلب الزبون.

ومن أهم هذه الأشكال الزخرفية “الياقوتي”، “الرماني”، “الشعاع”، “الزنجيري”، “المقبب”، و“العقيق”.

وتختلف أسعار “القمريات” حسب مقاساتها والزخارف الموجودة فيها، فضلاً عن نوع الزجاج المضاف إليها.

“القمريات المستخدم فيها زجاج ألماني هي الأغلى سعراً ولا يشتريها إلا الأثرياء”، قال غالب النوار.

اقرأ أيضاً:

إقامة الرئيس اليمني في السعودية.. جبرية أم اضطرارية؟

تراجع الطلب

ولا يخفي غالب النوار أن الحرب المستمرة في اليمن منذ ثلاث سنوات أثرت سلباً على صناعة وتجارة القمريات، بسبب ارتفاع أسعار وتكاليف المواد المستخدمة في صناعة القمريات، فضلاً عن  تراجع الطلب.

أضاف “بعض التجار استوردوا قوالب ديكورات جاهزة من الصين وبالتالي تضررنا كحرفين نشتغل يدوياً”.

اقرأ أيضاً:

تعرّف على الجامع الكبير بصنعاء

مريح للنفس

ويعود استخدام القمريات بشكلها المعروف حالياً والمصنوعة من الجص إلى نحو 350 أو 400 عام، بحسب أحمد الروضي، وهو معلم بناء ومتخصص بالنقوش وفن العمارة اليمنية القديمة.

“الموجود حالياً نسخة مطورة من القمرية القديمة”، ذكر الروضي (58 عاماً)، الذي بدأ اهتمامه بمهنته الحالية منذ كان في السابعة من العمر عندما كان يرافق والده الذي عمل في ذات المجال.

لكن أمة الرزاق يحيى،، وهي رئيسة بيت التراث الصنعاني (منظمة مدنية)، تقول “ما هو موجود حالياً هي عقود مصنوعة من الجص. القمريات هي تلك التي ما زالت موجودة في واجهات منازل مدينة صنعاء القديمة على شكل دائرة كاملة أو مستطيل مدور من أعلاه، وتشبه شكل القمر”.

وأوضحت أن تلك القطع مصنوعة من مادة الرخام (الالباستر)، الذي يتم فركه حتى يصبح شفاف، "لكن للأسف لا أحد يعرف هذا الفرق إلا كبار السن في صنعاء القديمة والباحثون المتخصصون”، على حد تعبيرها.

أضافت “سميت القمرية بهذا الاسم لأنها تشبه القمر، وتسمح بدخول ضوء هادئ إلى الغرف والمباني مريح للنفس والأعصاب”.

وتتفق في ذلك الدكتورة نادية الكوكباني، وهي أستاذة العمارة في جامعة صنعاء، قائلة إن “تسميتها بهذا الاسم أتت لعلاقتها بالضوء وأطلق عليها أهل صنعاء هذا الاسم تشبهاً بالقمر”.

إهمال حكومي

وأرجعت أمة الرزاق يحيى، تاريخ أول استخدام للقمرية في اليمن إلى ما قبل ظهور الإسلام، “ذكرها لسان اليمن الهمداني (المتوفى سنة 945م، وقيل سنة 955م) في كتابه الإكليل كعنصر من أهم عناصر تشكيل واجهة قصر غمدان التاريخي (يعود إلى القرن الأول الميلادي، حسب دائرة المعارف البريطانية)”.

بينما يذهب الباحث البريطاني “تيم ماكنتوش سميث” إلى أن تاريخ استخدام القمرية يعود إلى نحو أربعة آلاف عام.

وأعربت أمة الرزاق يحيى، وهي أيضاً مسؤولة حكومية في وزارة الثقافة بصنعاء، عن حسرتها “لاندثار الطريقة التقليدية لصناعة القمريات، بل الأسوأ من ذلك هو قوالب الجص المستوردة الجاهزة من الخارج”، على حد قولها.

واعترفت قائلة “للأسف الحكومات اليمنية المتعاقبة لم تدعم ولم تهتم بهذا الفن الجميل إطلاقاً، هي بشكل عام لم تهتم بأي فن حرفي مارسه اليمنيون ولهذا اندثرت الكثير من الصناعات الحرفية ومن بينها صناعة القمريات بالطرق الفنية”.

وجسد فنانون وتشكيليون يمنيون “القمرية” في كثير من لوحاتهم وأعمالهم الفنية.

ونظراً لفرادتها ودلالتها الشعبية، كانت “القمرية” شعاراً لمدينة صنعاء عندما اختيرت عاصمة للثقافة العربية في 2004.

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.