جانب من مصفى بيجي
جانب من مصفى بيجي

بعد أن كانت المناطق الواقعة شمالي مدينة بيجي أشبه بالمدينة الصناعية الكبيرة، كونها تضم العديد من المصانع والمنشآت الحيوية، إلا إنها اليوم غير ذلك تماماً.

وخضع الكثير من المنشآت إلى نظام التسيير الذاتي، فكانت عوائدها تتوزع بين قسم وهو الأكبر يذهب إلى خزينة الدولة وآخر أصغر يعود إلى العاملين عبر حوافز وأرباح، يقول عبدالله الجميلي الموظف في "الشركة العامة للأسمدة الشمالية".

كانت الشركة تنتج 525 ألف طن من سماد اليوريا سنوياً، والذي يغطي حاجة السوق العراقية، فيما يتم اليوم استيراد أسمدة "رديئة وبأسعار أكبر"، يوضح الجميلي كاشفاً عن توقف الإنتاج في الشركة منذ 2011 بسبب خلافات حادة بين المستثمر والحكومة.

بالقرب من الشركة العامة للأسمدة، هناك شركتان يفترض أن تكونا إنتاجيتين لكن "العنف وسوء الإدارة والتخطيط" جعلاهما يعيشان أسوأ مراحلهما، فبعد أن احتل تنظيم داعش مناطق من صلاح الدين كانت الشركتان نهباً لوحشيته.

"آلة الحرب لم تبق شيئا"، يقول رئيس قسم الإنتاج في مصنع الزيوت النباتية حسين جابر، موضحا "المليشيات التي قاتلت داعش في شمالي بيجي استحوذت على جميع مكائن ومعدات جميع المصانع في المنطقة وكأنها غنيمة لمجهودها في تحقيق النصر".

حيوية زراعية، صناعية واجتماعية

المصنع كان قبل 2003 ينتج مادة زيت الطعام عبر استخدام محصول عباد الشمس، وبذلك كان يسهم في تحريك عجلة الحياة في المنطقة حيث يجعل الفلاحين في المناطق القريبة يصدرون منتجاتهم إليه.

زيت الطعام المنتج كان يمد حاجة وزارة التجارة بمادة الزيت لتوزيعه ضمن مفردات البطاقة التموينية إلا أن المصنع ومنذ 2003 متوقف بسبب "سوء التخطيط والإدارة إضافة إلى توقف الدعم الحكومي"، يؤكد رئيس قسم الإنتاج السابق فيه.

"الشركة العربية للمنظفات" هي الأخرى باتت خاوية، بعد أن سرقت الفصائل المسلحة كل شيء في الشركة المملوكة أسهمها لأكثر من 18 دولة عربية إلا أن حصة العراق فيها تجاوزت 30 في المئة، كما يشير المهندس رأفت خالد وهو اسم مستعار لموظف رفض الكشف عن إسمه الحقيقي لأسباب خاصة.

شركة المنظفات، كانت تصنّع المواد الكيماوية المطلوبة لإنتاج مواد التنظيف أو التي تحتاجها صناعة المنظفات لكنها الآن "مجرد محطة لموظفين لا يحركون ساكناً".

طاقة مادية وبشرية مهدورة

وبعد أن كانت المنشآت الإنتاجية الكبرى في صلاح الدين "تموّل قرابة 45 في المئة من موازنة العراق وتنشط اقتصاده" بحسب معاون محافظ صلاح الدين لشؤون الطاقة، المهندس مخلف عودة، صارت تعاني اليوم شللاً تاماً ما انعكس سلبياً على موظفين يتقاضون رواتب أسمية فقط بعد أن توقفت منشآتهم عن العمل.

ويؤكد عودة، وجود خطة لتأهيل هذه المنشآت الحيوية وإعادتها إلى الخدمة "من خلال الاستثمار في المشاريع الصغيرة، وفيما يخص الكبيرة فهناك تواصل مع الوزارات الاتحادية من أجل تجديد البنى التحتية لتلك المشاريع".

إعادة الروح لمصفى بيجي

شركة مصافي الشمال، من أكبر الشركات العراقية في المجال النفطي، "لكنها تعرضت لأضرار كبيرة بسبب العمليات العسكرية الذي شهدتها المنطقة، فيما لم تسلم من أعمال السرقة والنهب"، يقول المهندس يونس، مستدركا "هناك جهود كبيرة لإعمار هذه المنشأة الحيوية التي تضم أكثر من 7500 موظف وعامل وكانت تنتج أكثر من 310 ألف برميل يومياً".

وبالرغم من ارتباط مدينة بيجي بمصفاة منتجة لمختلف أنواع الوقود، غير إنها تعاني اليوم من أزمة وقود بعد بدء عودة الأهالي إلى مدينتهم كما يقول محمد صباح "العوائل العائدة الى المدينة لم يتم شمولها بحصة المشتقات النفطية".

ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل إن المدينة التي كانت تضم الكثير من مشاريع إنتاج الطاقة تعاني أزمة واضحة في التيار الكهربائي ما أسهم بتأخير عودة النازحين إليها .

منشآت إنتاجية.. مقرات عسكرية!

وبعد تحرير محافظة صلاح الدين من قبضة داعش، استخدمت فصائل مسلحة الكثير من المنشآت الحيوية كمقرات لها، ومنها معمل الشركة العامة للأسمدة الشمالية ومجمعها السكني.

ويؤكد مدير عام الشركة العامة للأسمدة الشمالية المهندس سعد أمين فيصل، إن "مصنع الشركة ما يزال تحت سيطرة الفصائل المسلحة التي ترفض دخولنا إليه، على الرغم من صدور أوامر وزارية تنص على تسليم المصنع إلى الكوادر الفنية لكن الفصائل المسلحة لا تعترف بتلك الأوامر".

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.