من اليمين مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله الخميني والمرشد الأعلى الحالي علي خامنئي
من اليمين مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله الخميني والمرشد الأعلى الحالي علي خامنئي

استمع للمقال

​​قبل نحو 40 عاما، قاد أحمد الموسوي الخميني ثورة أسقطت نظام الشاه محمد رضا بهلوي في إيران، وأعلن تأسيس جمهورية إسلامية قائمة على "ولاية الفقيه".

تعني ولاية الفقيه ببساطة أن الولي الفقيه (علي خامنئي في إيران حاليا هو الولي الفقيه بالنسبة للمؤمنين بهذا المفهوم) ينوب عن الإمام الغائب لدى الشيعة (المهدي المنتظر) في قيادة الأمة وإدارة الدولة والقيام بمهام الحكومة الإسلامية.

جاءت نظرية ولاية الفقيه كرد فعل على أكثر من 1000 سنة عاشها الشيعة الإثنا عشرية في مقاطعة شبه مطلقة للسلطة. فبعد "غيبة" الإمام الثاني عشر محمد بن العسكري، أفتى كبار فقهاء الشيعة بحرمة العمل السياسي والثورة وإقامة الحكومة، باعتبارها من مهام الإمام الغائب، بالإضافة إلى الفتاوى القديمة التي تحرم التعاون مع السلطة بإعتبارها "غاصبة لحقوق الإمام".

ووصل الأمر إلى الإفتاء بحرمة "الجهاد" وتنفيذ الحدود وجمع أموال الزكاة، بل حتى إقامة صلاة الجمعة، لأنها مهام تتوقف على وجود الإمام المعصوم (نظرية الانتظار).

لكن مع طول غيبة المهدي والحاجة الملحة للخروج من الانتظارية القاتلة، بدأ بعض فقهاء الشيعة، بناء على أحاديث ومرويات عن الأئمة، في التأصيل لإمكانية تصدي "الفقيه المجتهد الجامع للشرائط" لأمور الدولة، فظهر ما سمي بـ"النيابة العامة" للفقيه عن الإمام التي تحولت فيما بعد إلى نظرية "ولاية الفقيه" على يد الشيخ أحمد النراقي (1771-1829).

في كتابه عوائد الأيام، رفض النراقي نظرية "التقية والانتظار"، ودعا الفقهاء إلى تولي زمام الأمور. واعتبر أن للفقيه ما للإمام من ولاية وصلاحيات دينية وسياسية.

وبعد 150 عاما، جاءت "الثورة الإسلامية" في إيران لتمثل أول تطبيق عملي لولاية الفقيه. حينها، جمع الخميني بين التنظير الفقهي للولاية والتصدي لها عمليا.

ولاية مطلقة

جعل الخميني ولاية الفقيه ولاية مطلقة، هيمن من خلالها على السلطة السياسية والدينية في جمهوريته الإسلامية، رغم وجود رئيس للبلاد وبرلمان منتخب ومجلس للشورى. ويتمتع "الولي الفقيه" أو "المرشد الأعلى" في إيران بصلاحيات واسعة منحه إياها دستور البلاد.

"أعطى الخميني للفقيه الحاكم، باعتباره نائبا عن الإمام المعصوم، الولاية المطلقة وكل صلاحيات الإمام والرسول الأعظم، واعتبر الولاية شعبة من ولاية الله، وسمح له بتجاوز الدستور وإرادة الأمة"، يقول المفكر العراقي وأحد أبناء الحوزة العلمية، أحمد الكاتب في كتابه "تطور الفكر السياسي الشيعي".

إقرأ أيضا

كيف يحول النظام الإيراني دون محاسبة المرشد؟

علاوة على تربعه قمة الهرم السياسي للنظام، وانتخابه مدى الحياة من طرف مجلس خبراء القيادة، يملك الولي الفقيه صلاحيات متعددة تصل إلى 11، باعتباره نائب الإمام المعصوم والآمر الناهي.

من أبرز اختصاصاته: رسم السياسات العام للبلاد والإشراف على تنفيذها، قيادة المؤسسة العسكرية وإعلان الحرب والسلام، تعيين وعزل أعضاء مؤسسات كبرى، بما فيها رئيس الدولة (يعزل بعد حكم المحكمة العليا وتصويت مجلس الشورى) ونصف أعضاء مجلس صيانة الدستور ورئيس السلطة القضائية ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وقائد الحرس الثوري والقيادات العليا للجيش والأمن الداخلي، فضلا عن الإشراف على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وحل نزاعاتها (...).

ويملك المرشد الأعلى صلاحية تعيين ممثلين له في كل الوزارات ومؤسسات الدولة وأجهزتها في الداخل والخارج، يصل عددهم إلى 2000 ممثل.

قمع المعارضين

يحظى الولي الفقيه بدعم التيار المحافظ داخل الدولة، غير أن هيمنته المطلقة على شؤون الدولة لم ترق معارضيه، وعلى رأسهم رجال دين استنكروا زج الدين في الحياة السياسية. وتصدى هؤلاء لدحض قواعد النراقي والخميني التي منحت الشرعية للفقيه ليحل محل الإمام.

خلال فترة قيادته لإيران (1979-1989)، حارب الخميني كل من انتقد نظريته في الحكم، وضمنهم مقربون وأفراد من عائلته.

مطلع شهر مارس/آذار الجاري، اعتقلت الاستخبارات الإيرانية حسين الشيرازي، نجل المرجع الشيعي صادق الشيرازي، المناهض لولاية الفقيه، بسبب انتقاده المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.

ونقلت وسائل الإعلام محاضرة لحسين الشيرازي شبه فيها الولي الفقيه بفرعون.

​​"ولاية الفقيه كأنه ربكم الأعلى وليس شيئاً ثانيا، تطابق النعل بالنعل، هذه البلاد الآن قائمة على هذا المفهوم، بقضها وقضيضها". يقول الشيرازي

وتابع "لا يمكن المساس بولاية الفقيه حتى بشكل سؤال.. الفرد يقول أنا ربكم الأعلى. يعني أنت عبد.. ولاية الفقيه يعني أنت عبد. وقيلت بالنص: حدود ولاية الفقيه في حدود ولاية الله".

دعم الشيرازيون الخميني في بداية ثورته، إلا أنهم عارضوا الولاية المطلقة للفقيه فيما بعد. ورد النظام الإيراني بتضييق الخناق على زعيم التيار آية الله محمد الحسيني الشيرازي إلى حين وفاته سنة 2001.

هؤلاء قالوا لا لولاية الفقيه!

تبقى أبرز معارضة لولاية الفقيه تلك التي تلقاها الخميني من نائبه آية الله حسين علي منتظري الذي كان مرشحا بقوة لخلافته بعد وفاته، لكنه عزل من منصبه بعد معارضته لسياسات الخميني، خصوصا تلك المتعلقة بالحرب والتضييق على المعارضة.

لم يرق للخميني تأييد رفيقه لفكرة فصل الدين عن السياسة من خلال طرح فكرة النيابة الجزئية التي يقتصر فيها دور المرشد على المسائل الدينية. اشتد الخلاف بينهما إلى أن أبعد عن المشهد السياسي وفرضت عليه الإقامة الجبرية حتى وفاته عام 2009 في مدينة قم.

يرفض المرجع الشيعي الأعلى في إيران علي السيستاني ولاية الفقيه

​​بدوره، عارض محمد كاظم شريعتمداري ولاية الفقيه فهاجمه الخميني بتحريض أنصاره ضده، بعد أن كان شريعتمداري سببا في إنقاذ الخميني من الإعدام الذي صدر بحقه إبان حكم الشاه.

آية الله حسين الخميني، حفيد المرشد الأعلى للثورة الخميني، عارض ولاية جده ودعا إلى فصل الدين عن السياسة فمنع من الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2016 بسبب موقفه المعارض لنظام الحكم.

وعارض علماء النجف الولاية المطلقة وإقحام الدين في السياسة، ومن أبرزهم المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، وأبوالقاسم الخوئي ومحسن الحكيم (والد محمد باقر الحكيم الذي اغتيل عام 2003 في النجف في العراق) ومحمد صادق الصدر (الذي اغتيل عام 1999 وهو والد مقتدى الصدر).​

وفي لبنان، يعتبر السيد محمد حسين فضل الله (توفي سنة 2010)، الذي نظر إليه لفترة طويلة على أنه الأب الروحي لحزب الله اللبناني، أبرز معارضي لولاية الفقيه.

 في المقابل، ظل حزب الله وزعيمه حسن نصر الله من أشد مؤيدي ولاية الفقيه. في إحدى محاضراته القديمة، قال حسن نصر الله "مشروعنا، الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره، كوننا مؤمنين عقائديين، هو مشروع دولة إسلامية وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني".

​​

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.